الأهرام
احمد عبد المعطى حجازى
الصهيونية وترجمتها العربية!
كأن الشيخ حسن البنا هو الذى أنشأ «المزراحى» أكبر حزب دينى فى اسرائيل أو «الجوش إيمونيم» أى جماعة المؤمنين ـ أو غيرهما من الأحزاب والجماعات اليهودية السياسية. وكأن الحاخام يهودا القلعى أو الحاخام بر إيلان هو الذى أنشأ جماعة «الإخوان المسلمين» أو غيرها من جماعات الاسلام السياسى فى مصر، لأن الأسماء كما نرى واحدة، والأفكار هى هى، والشعارات هنا كما هى هناك!

ولنبدأ بهذا الشعار الذى يرفعه الاخوان ويقولون فيه ان الاسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، وإن الذين ينكرون هذا الخلط، ونحن منهم! ـ ويقولون إن الاسلام دين وكفى، أى عقائد وشعائر ومثل عليا، وإن الدولة كيان سياسى يتغير ويتحول لتحقيق المصالح والغايات الدنيوية التى تتطور مع الزمن وتستفيد بالتجارب والخبرات الذاتية والأجنبية كفار فى نظر الاخوان يقلدون الأجانب، ويعيشون فى جاهلية جديدة لاتختلف عن الجاهلية التى سبقت الاسلام. فإذا كانوا لم يؤمنوا بالقرآن كما يفسره حسن البنا فالسيف فى انتظارهم!

والذى يقوله الاخوان وغيرهم من جماعات الاسلام السياسى تقوله الأحزاب والجماعات الدينية الاسرائيلية بالحرف. بل نحن نرى أن اليهودية السياسية سبقت الإسلام السياسى إلى هذا الخلط الذى نراه منطقيا ـ دون أن يكون صحيحا ـ فى الصهيونية، ولانراه منطقيا عندنا.

الحركة الصهيونية نشأت لتحول اليهود من طائفة دينية موزعة فى أنحاء العالم تنتمى لثقافات الشرق والغرب وتتكلم لغات البلاد التى تعيش فيها منذ ألف وثمانمائة عام إلى جماعة سياسية تتجمع فى فلسطين وتتحول إلى شعب أو أمة معتمدة على الرابطة الوحيدة التى تجمع بين أفرادها المختلفين وهى الرابطة الدينية.

الدين هو الأساس الذى نبعت منه الصهيونية واعتمدت عليه فى دعوتها لاستعمار فلسطين وإنشاء دولتها التى كان لابد أن يختلط فيها كل شىء بالدين، وأن تكون اغتصابا صريحا يستخدم فيه السيف قبل أى سلاح آخر. وقد يتستر الصهيونيون بالتوراة يرفعونها على رماحهم كما فعل جنود معاوية فى معركة صفين! ومن هنا هذا الارتباط العضوى بين الديانة والدولة التى بشرت بها الصهيونية، وهذا الانفصال الحاد بين الأحزاب الدينية الاسرائيلية وبين حضارة العصر ومبادئه ومواثيقه التى تقول هذه الأحزاب إنها لا ترقى إلى ماجاء فى التوراة من قيم خالدة، وأن اليهود ليسوا فى حاجة لهذه الحضارة الحديثة، لأن الديانة اليهودية فى نظر هذه الأحزاب ليست عقيدة أو إيمانا فقط، بل هى حدود وقوانين وواجبات عملية ونظام شامل للحياة، والقوانين والشرائع الدينية اليهودية تصلح فى نظر هذه الأحزاب للدين والدنيا، ولا تقبل التغيير والتعديل. وقد سبقت هذه المعتقدات الحركة الصهيوينة، وسبقت دولة اسرائيل التى ارتبطت بالدين وقامت على أساسه. والأمر ليس كذلك بالنسبة للمصريين.

المصريون كانوا أمة مكتملة الشروط قبل الاسلام وقبل المسيحية وقبل اليهودية. فإذا كانت الدول الدينية قد فرضت نفسها عليهم وعلى غيرهم فى العصور الوسطى فقد سقطت هذه الدول فى العصور الحديثة واشتعلت الثورات التى قامت عليها الدول الوطنية والنظم الديمقراطية، وانفصل الدين عن الدولة. فالدين لله والوطن للجميع. وهذا هو الشعار الذى رفعناه فى ثورة 1919 وأسسنا عليه دولتنا الوطنية الحديثة وبلورنا أفكارها وشعاراتها فى دستور نص على أن الأمة المصرية هى مصدر كل السلطات، وأن المصريين جميعا سواء فى الحقوق والواجبات، وأن حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية الرأى مكفولة.

هذه التحولات التاريخية التى عرفناها وعرفتها شعوب المنطقة فى عشرينيات القرن العشرين: الثورة المصرية، وثورة الشريف حسين، وثورة أتاتورك، وسقوط الخلافة العثمانية ووجهت أولا بالقوى الاستعمارية التى وضعت يدها بالقوة على بلادنا واستخدمت الحركة الصهيونية، وفتحت لها أبواب فلسطين لتكون مستعمرة دائمة وقاعدة عسكرية مضمونة لهذه القوى، ووجهت أيضا بجماعة الاخوان التى كانت رد فعل للحركة الصهيونية قلدتها فى كل شىء، وخلطت مثلها الدين بالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والعلوم، والفنون، فالاسلام عند هذه الجماعة وعند غيرها من جماعات الاسلام السياسى ليس دينا فحسب، ولكنه دين ودولة ودنيا وآخرة. وكل ما وقع من أحداث وما سوف يقع تنبأ به الاسلام. وكل ما اكتشفه علماء الطبيعة والكيمياء والحياة والفلك فى العصور الحديثة موجود فى القرآن، والقرآن إذن دستورنا، والشعار الذى ترفعه جماعات الاسلام السياسى وترفعه معها الأحزاب والجماعات الدينية الاسرائيلية هو تطبيق الشريعة!

والشريعة فى لغتنا العربية هى المورد وهى الطريق الأعظم. وكذلك نجدها فى اللغة العبرية. «فالها لاخاه» أى الشريعة هى كما جاء فى موسوعة الدكتور عبدالوهاب المسيرى كلمة من أصل آرامى معناها الحرفى هو الطريق القويم، والكلمتان إذن تشيران لمعنى واحد هو العلامات التى يجب أن يهتدى بها السائر فى الطريق ليبلغ غايته، هذه العلامات هى الأحكام والأوامر والنواهى التى لابد أن يلتزمها وألا يخرج عليها وإلا فعلى جماعة المؤمنين أن يردوه إلى الصواب.. لأن تغيير المنكر باليد أو الإكراه الدينى فى نظر الأحزاب الدينية اليهودية واجب يؤديه من يستطيع كما هو واجب عند جماعات الاسلام السياسى.

والها لاخاه كما نقرأ عنها أيضا فى كتاب الدكتور رشاد الشامى «القوى الدينية فى اسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة» لاتعترف بالتمييز بين الموضوعات الدنيوية وبين القضايا السماوية، حيث إن «كل قضية تمس حياة الانسان لها حل فى الهالاخاه»! أليس هذا هو شعار الاخوان «الاسلام هو الحل»؟

والمساحة لاتتسع للحديث عن كل ما هو مشترك ومتطابق والأحزاب الدينية فى اسرائيل وجماعات الإسلام السياسى التى تبدو لنا وجها سلبيا للصهيونية أو ترجمة عربية للأصل العبرى. موقف هذه الجماعات والأحزاب كلها واحد من القوانين الوضعية، ومن حرية الرأى والعقيدة، ومن المساواة بين المرأة والرجل، حتى من تشريح الجسد وزرع الأعضاء.. وقبل هذا كله من العلاقة بين الدين والدولة. والنتيجة هى ما نراه الآن. الجماعات الوطنية العربية تتمزق وتتحول الى طوائف وشراذم دينية ومذهبية. والحروب الطائفية تشتعل. والنظم الديمقراطية تنهار. والدول تسقط فى أيدى المتاجرين بالدين. والارهابيون يهددون العالم باسم الاسلام. والطرف الوحيد المستفيد هو.. إسرائيل!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف