عاد بي الزمن لأكثر من سبعة آلاف سنة وشريط أجدادي القدماء لم يفارق عينيَّ ولا مخيلتي.. وأذني تطرب بخبر حافية بنت أسوان وطيبة أم الحضارات مروة البالغة من العمر عشرة أعوام وهي تشارك بكل عفوية وتلقائية من ماراثون الأطفال الذي نظمه مركز الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب بأسوان حافية القدمين بعد أن اتخذت قرار المشاركة دون أدني استعداد وبلباسها البسيط بعيداً عن ارتداء أشهر الماركات الرياضية العالمية.. لكنها تلحفت بثوب الإرادة المصرية وعزيمة ومثابرة سيدات مصر غلفها في ذلك تراث أجدادها العظماء الذين أناروا العالم من هذه الأرض الطيبة بحضارة لايزال العالم مبهوراً بها ولم ينجح في فك رموزها وألغازها حتي هذا اليوم ليقدموا للأمم مشاعل النور وخارطة طريق التطور والتقدم والرقي.
لم يكن ما فعلته مروة بنت طيبة مجرد ضربة حظ أو خيال علمي أو شيء جزافي بل هو موروث أصيل يعيش في جينات الشعب المصري منذ خلق الله الكون وإلي أن يرث الأرض ومن عليها.
ولم تكن صدفة أن تظهر هذه الفتاة برائحة مصر القديمة في هذا التوقيت بالذات والذي يقوم فيه رجال مصر بتطهير سيناء الحبيبة من دنس الإرهابيين وتقديم فصل جديد من سيناريو التضحية والعزة والكرامة.
إن إرادة المصريين تفوق كل إرادة لدرجة أن العالم أجمع يصاب بالذهول وهو يتابع في كل منافسة وهم متيمون بحب هذه الأرض الطيبة وهذا الوطن العظيم.
فمشهد الفوز علي الكونغو في تصفيات المونديال بعد ركلة جزاء محمد صلاح الحاسمة لم يفارق الذاكرة وقبلها بدقائق معدودة سقوطه علي الأرض مع هدف التعادل للمنتخب الكونغولي ولحظة الإحباط القاتلة التي سرعان ما تحولت إلي قوة خارقة يغلفها إرادة من حديد. فجاء هدف الفوز الحاسم واختلطت لحظات الحزن مع دموع الفرح في مشهد رهيب أشعل السوشيال ميديا في العالم كله.
ولم لا ونحن خلقنا في وطن يعيش فينا يجري في عروقنا مجري الدم.. فما حققته بنت طيبة الأصيلة ما هو إلا امتداد لما يحققه أبناء مصر علي مر العصور وفي شتي المجالات. فمورة حفيدة عباس محمود العقاد وطه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ وأحمد زويل ومجدي يعقوب وغيرهم الكثيرون.. بل هي بنت النيل الذي يجري بين وديان قلوبنا وأصلابنا.
إننا ندين لها بكم هائل من الطاقة الإيجابية التي أمدتنا بها جميعاً خاصة الأطفال والشباب وبني جنسها وجلدتها.. إن كل يوم يمضي يؤكد للعالم قدرة الشعب المصري علي فعل المعجزات وفي نفس الوقت يقدم رسالة واضحة للإرهاب بأن مكانه ليس هنا ولن يهدأ لنا بال حتي نقتلعه من جذوره.
حسناً ما فعله المسئولون عن الرياضة في مصر بالتجاوب السريع مع إنجاز بنت أسوان وتكريمها وتبني المؤسسة الرياضية العسكرية لهذه الفتاة التي تؤذن بميلاد بطلة مصرية جديدة في رياضة ألعاب القوي.
إن أرض الكنانة أخصب أراضي العالم بمبدعيها وأبنائها المخلصين وستظل مصر دائماً هي القلب النابض للعروبة وحامية حماه إيماناً منها بوحدة المصير.
والله من وراء القصد.