الأخبار
كرم جبر
مصر بعيون الآخرين
مصر لم تلوث أيديها بأي دماء عربية، ولم يتغير موقفها الثابت الداعي إلي التسوية السياسية العادلة، لكل الأحداث الساخنة في المنطقة، ووقت أن كانت الحرب تكاد تقضي علي سوريا، خرجت التصريحات العادلة من القاهرة، تدعو مختلف الأطراف، أن يتركوا الشعب السوري يقرر مصيره، ويختار نظام الحكم الذي يريده، وأن تتضافر الجهود للحفاظ علي وحدة سوريا، وتكاتف المساعي الدولية للقضاء علي الإرهاب، بدلاً من القرارات المتسرعة، التي زادت الحرائق، وأدخلت سوريا في أزمات متلاحقة.
مصر لم تتورط في القتال الدائر في اليمن، وأدركت منذ اللحظات الأولي أن دخول الحرب يكون سهلاً، والخروج منها أكثر صعوبة، واستفادت من درس تورطها في حرب اليمن في الستينات، التي أدت إلي استنزاف قوة الجيش المصري في حروب عصابات، وكانت سبباً لنكسة 1967، ومن الصعب أن يكون لها جيش يحارب مرة ثانية بعيداً عن أرضها.
مصر لم تشارك في تدمير العراق، وساهمت فقط في إخراج القوات العراقية الغازية من أرض الكويت، ورفضت أن تطأ أقدام جنودها الأراضي العراقية، وعارضت بشدة إحلال قوات سلام عربية في العراق بدلاً من القوات الأمريكية، حتي لا تجد نفسها في مواجهة الشعب العراقي، الذي كثف عمليات المقاومة ضد القوات الأجنبية، ولا يحمل العراقيون للشعب المصري إلا المحبة والاحترام، لأنها كانت دائماً مع وحدة الأراضي العراقية، والحفاظ علي الدولة وعدم تفتيتها أو تقسيمها.
وفي الأزمة الليبية لم تطلق مصر رصاصة واحدة، إلا عندما تعرض أبناؤها الأقباط للذبح علي شاطئ سرت، ولم تنم الليل إلا بعد أن أخذت بثأرهم، ليعلم كل إرهابي جبان أن مصر لحمها مر، ولا تترك أبداً دم أولادها يضيع هدراً، وتتمسك بأقصي درجات ضبط النفس، وهي تواجه العصابات الإرهابية المحتشدة علي حدودها الغربية، ولكن إذا تجاوزوا ذلك، فستنقلب الأرض ناراً وغضباً، وتبتلع رمال الصحراء جثثهم.
هذه هي مصر التي نزهو بها في كل مكان نذهب إليه.. تسالم من يسالمها وتعادي من يعاديها، تصادق ولا تغدر، تساند ولا تطلب، وتجدها في أوقات الشدة سنداً للعروبة، وبيتاً للأشقاء الذين تضيق بهم أوطانهم، فيعيشون وسط أهلها كأنهم مصريون، ويحفظ العرب الطيبون لها الجميل، ويشيدون بها أينما وجدوا.. وهذا ما سمعناه من الأشقاء الكويتيين والعراقيين، في مؤتمر إعمار العراق، الذي اختتم أعماله بالعاصمة الكويتية أمس.
مصر تحوز الاحترام والتقدير، ويرفع لها الجميع التحية، لصمودها الرائع بعد 25 يناير، وإصرار شعبها علي أن يسترد وطنه من بين أنياب عصابة الشر، ويعود بها بقوة وإصرار كدولة حافظت علي جيشها ومؤسساتها، ووقفت علي قدميها في غضون سنوات قليلة، وإذا عادت مصر، عاد للمنطقة كلها الأمل، بعد أن تحطمت نصف الدول العربية، وتشرد ربع الشعوب العربية.. حفظ الله مصر ورعاها.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف