كثيرة هي الصعاب والتحديات التي واجهتها مصر علي مدي تاريخها الطويل لكن أصعبها- في رأيي- ما عانته من ويلات تسبب فيها الاخوان وأشياعهم بعد أحداث 25 يناير وخلال العام الذي دانت فيه مصر لحكم الجماعة الارهابية.
ورغم شراسة ما شنَّه عليها الأعداء من حروب نفسية وضغوط دولية وإقليمية هائلة في أعقاب نكسة يونيو 1967وحتي نصر أكتوبر 73 فإن المصريين وحدَّتهم المحن وجمعتهم علي قلب رجل واحد وجعلت جبهتهم الداخلية في أكثر حالاتها قوة وتوحداً بخلاف ما وقع في أعقاب يناير 2011 من تفرق وانقسام واستقطاب وحدة في الاختلاف ونزوع أطراف بعينها إلي مصالحها الخاصة..حضرت مصلحة الطائفة والجماعة والحزب والائتلاف ..وغابت مصلحة الوطن والدولة والأمة ..حضرت الانتهازية السياسية وطفحت الأمراض الاجتماعية و الأخلاقية وسفكت دماء الفضيلة علي عتبات الجشع السياسي والغلو في الفكر والتعصب الأعمي ..وأصاب الانفلات كل شيء بدءا بالأمن وانتهاء بالأسعار والاحتكار والتربح علي حسابات الفئات الضعيفة والأكثر احتياجاً.
وظني أن اليأس والاحباط والخوف لم تعرف طريقها إلي قلوب المصريين علي مدي تاريخهم بقدر ما عرفته في السنوات السبع الماضية وخصوصاً في العام الذي حكمه الاخوان لمصر وما أحدثوه من شق للصف الوطني وتخريب وترويع وجرح للمشاعر الوطنية وتعكير للصفو وإفساد لفرحة الشعب في كل مناسبة وطنية ولاسيما الاحتفال بالعبور العظيم الذي حولوه إلي كوميديا سوداء حين تصدر قتلة بطل العبور الرئيس السادات مشهد الاحتفال بذكري النصر..ولا يزال إفسادهم لكل فرحة وطنية بأي إنجاز مستمراً.. وآخرها ما جري بمناسبة الاحتفاء بإنجاز حقل ظهر للغاز ودخوله للإنتاج بطاقة كبيرة . ناهيك عن إصرارهم علي محاربة الجيش والشرطة. وتشويه صورتهما وإهالة التراب علي تضحياتهما وانتصاراتهما المتتالية علي الارهاب ومنفذيه وداعميه هنا وهناك..لكن هل بعد خيانة الأوطان جريمة ؟!
الارهاب جريمة عابرة للحدود يزداد شره وخطره يوماً بعد يوم ..وما من دولة إلا اكتوت بنيرانه في الشرق والغرب علي السواء..فهل يصح أن تغض الدولة الطرف عنه أو تكتفي بما حققته من نجاحات في محاربته .. وهل يمكن أن نطمئن دون اجتثاثه من جذوره وتجفيف منابع تمويله وروافد أفكاره..؟!
ولأن هناك من لا يزال مصراً علي ألا يري هذا الارهاب فقد اتخذ الرئيس السيسي القائد الأعلي للقوات المسلحة قراره بانطلاق العملية الشاملة "سيناء 2018" لتطهير مصر من الارهاب والفساد والاهمال وبسط سيادة الدولة وهيبتها علي كامل ترابها» وهو أمر طبيعي تفعله أي دولة ذات سيادة علي أراضيها في مثل ظروفنا. ذلك أن أي تراخي أو تهاون أو تأجيل لمواجهة الارهاب ودحره يطيل أمد الفوضي. ويفسح المجال لتمدد هذا الارهاب اللعين واستفحال خطره ويعرقل جهود التنمية والتعمير ويمنح الخارج ذريعة للتدخل في شئوننا. و يفاقم أزماتنا اليومية ويعقد حل المشكلات المزمنة.
قرار المواجهة الشاملة للإرهاب رسالة للجميع أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي استهداف لأراضيها أو جنودها وقوات أمنها. وأنها تحارب الارهاب نيابة عن العالم كله.
وبدلاً من الاصطفاف خلف الدولة في مثل هذه الظروف الصعبة يخرج علينا بين الحين والآخر نفرى من بني جلدتنا بدعوات للمصالحة دون أن يقولوا لنا : علي أي شيء نتصالح ..ومن يملك قرار التنازل عن دماء الشهداء..وهل يمكن التصالح تحت تهديد السلاح وإرهاب الدولة وابتزازها وإهدار إرادة الجماهير التي خرجت ملايينها في شوارع مصر في 30 يونيو لإزاحة الاخوان عن الحكم ..هل نتصالح مع إهانة الوطن واستنزافه وتعطيل مسيرته..هل نتصالح مع جيش جرار من الارهابيين والمتطرفين وأرباب السجون الذين زرعهم مرسي وجماعته في سيناء ولا نزال ندفع ثمن جرائمهم غالياً من دم أبنائنا. واستقرار بلدنا حتي هذه اللحظة.. أم نتصالح مع من عقدوا صفقات الخيانة من الاخوان للتنازل عن أجزاء غالية من أرض الوطن لإقامة وطن وهمي للفلسطينيين في سيناء في مؤامرة كشف عنها الرئيس أبو مازن في أحد تصريحاته. كما أزاح عنها الستار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأسبق هيو شيلتون في اعتراف خطير بأن بلاده نسجت خيوط مؤامرة لزعزعة استقرار مصر.. لكن ثورة 30 يونيو أوقفتها ومنعت استهداف الجيش أو تدميره حتي لا يكون مصير مصر كسوريا أو اليمن.
والسؤال لمن يسهمون في تنفيذ مخطط هدم مصر من بنيها: أليست الاستهانة بما تتعرض له البلاد من مخاطر والتهاون مع مرتكبيها تفريطاً في الوطن وخيانة للشعب وثورته في 30 يونيو..؟!
ورغم استماتة جماعة الاخوان في تشويه سمعة مصر والاستقواء عليها بالخارج ومحاولاتها الدءوبة لتصدير صورة قاتمة للداخل وإشاعة جو من الاحباط والسوداوية بين المواطنين لإضعاف روحهم المعنوية ..لكن ماذا كانت النتيجة ..هل خاف الشعب أم ازداد كرهاً لها . ورفضاً لأفعالها وصلابة والتحاماً بجيشه وشرطته وازداد أيضاً قوة ورغبة في هدم معاول الارهاب والانتصار الحاسم عليه.
لقد حرر جيشنا الوطن من دنس العدو الصهيوني في حرب أكتوبر. ثم أعاد تحريره من الحكم الفاشي للإخوان في 2013 نزولا علي إرادة الشعب. وأنقذ مصر من مؤامرة عالمية كارثية كادت تمزق ما بقي من أوصال أمتنا العربية وتفتت وحدتها وتقطع نسيجنا الاجتماعي المتماسك منذ آلاف السنين.
ولا يزال جيشنا يؤدي مهامه البطولية في استئصال شأفة الارهاب اللعين بعملية شاملة تبعث بأكثر من رسالة علي صُعد مختلفة ليعلم حلف الأشرار هنا وخارج هنا أن مصر سوف ترد بقوة علي أي تجاوز أو اعتداء علي شعبها أو أرضها أو سيادتها.
لقد كانت فترة حكم الاخوان كاشفة وفارقة ..فضحت من خان وباع وطنه ومن ضحي بنفسه لأجل أن يحيا هذا الشعب بلا وصاية ولا هيمنة من أحد.. ووضعت الأحداث المتتالية أيدينا علي ما يعانيه الجسد المصري من علل وأوجاع وما تراكم فيه من صديد وتقيحات وجب علاجها وتطهيرها ..جاءت الحوادث كاشفة لما تعانيه نخبتنا وأحزابنا من ضعف وتهافت وعجز وفشل خلق فراغاً سياسياً كبيراً استغله الاخوان وأشياعهم أسوأ استغلال حتي انقضوا علي سدة الحكم.
وعندما فشلوا في تطويع الوطن وتمكين الجماعة منه انقلبوا عليه ونشبوا مخالبهم في جسده وعاثوا في أرضه إفسادا وتدميراً ..فهل يليق بمن شرب من نيل الكنانة وتربي في خيرها أن يتماهي مع غايات أعدائها ويقف في خندقهم ويناصب مصر العداء رغبة في كسر إرادتها..من المستفيد من إضعاف مصر..؟!
لقد اختار الاخوان العنف سبيلاً. والارهاب وسيلة للضغط علي النظام وابتزازه والانقلاب علي إرادة 30 يونيو الشعبية ..فهل تتحمل ظروف شعبنا ودولتنا مثل هذا الخيانات والمهاترات والمكايدات السياسية والاستقواء بالخارج ومنحه الذرائع للتدخل في شئوننا.. ؟!
لقد فرضت الضرورة اتخاذ قرار سياسي ببدء العملية الشاملة "سيناء 2018" تصدياً لمخطط إشاعة الفوضي والتخريب وهدم الدولة و تعطيل مسيرة التنمية والبناء ووقف تنفيذ المشروعات الكبري علي أرض مصر والتي بدأ بعضها يؤتي ثماره بالفعل وهو ما لا يرضي أحلاف الشر. وفي مقدمتهم تنظيم الاخوان وأنصارهم في الداخل والخارج..فكيف ننتقل للبناء وبيننا من يصر علي الهدم ..وهل يمكن لدولة أن تعيش في سلام أو تسير في أمان وعلي ظهرها حيوان مفترس ينشب أظافره في جسدها؟!.
فارق كبير بين من يتطلع لنهضة الأوطان ونصرتها في ساعة العسرة ومن يري نفسه وجماعته فوق تلك الأوطان ..بين جيش يري أبناؤه أن التضحية في سبيل الوطن أسمي الغايات وبين من يحاربون هذا الجيش ويسعون لهدمه كخطوة أولية لهدم الوطن وتنكيس رايته تحت أقدام أعدائه.
من يخططون لهدم مصر يعلمون أن جيشها هو نواتها الصلبة ودرعها وسيفها ومن ثم فقد جعلوه هدفاً للتشويه وتلويث السمعة تارة. والاستهداف المباشر بعمليات إرهابية جبانة تارة أخري..وهناك قنوات فضائية وصحف هنا وهناك لا تفتأ تبث أخباراً مغلوطة عن عمليات الجيش وتذيع فيديوهات مفبركة تقول إنها لتنظيمات إرهابية تستهدف جيشنا في سيناء ..وتناست هذه القنوات المسيسة تلك القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة علي أرض قطر مثلاً. كما تناست أيضاً أن التخريب الذي تمارسه بعض دول الجوار لا يصب إلا في صالح إسرائيل والغرب . وأن الارهاب سوف ينقلب علي الدول الراعية له. وأن جيش مصر ليس كأي جيش حولنا» ذلك أنه من نسيج هذا الوطن ومن شتي مكوناته وسوف يظل جزءاً من هذا الشعب وحامياً له ولإرادته ولمقومات بقائه ووجوده وهو ما يندر أن نجده في دولة أخري.
جيش مصر هو الحارس الأمين لتطلعات شعبها وحياته ومستقبل أجياله.. والشعب هو الحاضنة الطبيعية والانتماء الأكبر لهذا الجيش العظيم الذي لن يفت في عضده المؤامرات ومحاولات الوقيعة والتشويه والاستهداف مهما تكن ضراوتها .
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه ولا يمكن له أن يتصوره أصلا فسوف يظل المتآمرون علي مصر شعباً وجيشاً بمنأي عن الفهم السليم لطبيعة العلاقة الراسخة بين الشعب وجيشه منذ آلاف السنين. فلم ولن يحدث أبدا أن تخلي الجيش عن حماية شعبه ولا تخلي الأخير عن توفير مظلة الدعم والمساندة للأول ..بل تجدهما نسيجاً واحداً في الأزمات والملمات والكوارث فما إن تقع كارثة هنا أو هناك إلا ويسارع الجيش للإنقاذ ومد قوارب النجاة للشعب ولمَ لا وهو الابن البار الحامي للحدود وللحرية والديمقراطية والأمن؟.
فمن بعد كل هذا يمكنه أن يصدق فبركات وأراجيف أعداء مصر بحق جيشها ..وهل عرفنا لماذا يجري استهداف الجيش في هذه الآونة بالذات..ومن غير الجيش يمكنه تحمل أمانة المسئولية وعبور محنة الارهاب في هذا الاقليم المضطرب المبتلي بالصراعات.
وهل قدم من يسمون أنفسهم معارضة أو نخبة أو نشطاء أي تضحية للوطن ..والأهم هل يملكون القدرة علي حماية هذا الوطن وانتشاله من الأزمات وأولها الارهاب..؟!