جمال سلطان
مفاجأة القبض على عبد المنعم أبو الفتوح
كانت صدمة كبيرة ليلة أمس عندما انتشر خبر إلقاء قوات الأمن القبض على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ، رئيس حزب مصر القوية ، والمرشح الرئاسي السابق ، بعد يوم واحد أو أقل من عودته من لندن ، وهيمن الخبر على المواقع الإخبارية المحلية والدولية والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الصحف ، باعتباره حدثا خطيرا وغير مفهوم وغير متوقع أيضا ، خاصة وأن أبو الفتوح يؤكد دائما على انحيازه للدولة ومؤسساتها وضرورة احترام آلياتها حتى وإن كنا لا نرضى عنها ، وآخر تغريدة له كانت دعما لقواتنا المسلحة في حربها على الإرهاب في سيناء ، صحيح أنه معارض سياسي صريح وغير مجامل ، وله آراء تبدو خشنة أحيانا في بعض أعمال القيادة السياسية ، غير أن هذا طبيعي باعتباره رئيس حزب سياسي دوره أن يشارك أو ينقد أو ينافس أو يناقش أو يدين ، وللسلطة أدواتها الإعلامية والسياسية القوية التي يمكنها دحض ما يقوله أو الرد عليه وإفحامه .
قبل خبر القبض عليه بساعتين تقريبا اتصل بي ، وعلمت من رقم الاتصال أنه هاتفه المحلي فعرفت أنه عاد إلى القاهرة بالفعل فقلت له : الحمد لله على السلامة ، قال أنه يتصل ليشكرني على مقالي المنشور أول أمس "الإخوان وأبو الفتوح والعقدة القديمة" وقال أنه ترك جماعة الإخوان فعليا عام 2009 ، وإن لم يعلن ذلك في حينها ، وقال أن الجماعة تم اختطافها من قبل مجموعة يتزعمها الدكتور محمود عزت ، وأن هذا الأخير هو الذي يدير الجماعة فعليا وليس المرشد محمد بديع ، وأن هذه المجموعة هي المسئولة بشكل أساس عن الأخطاء الكارثية التي تم ارتكابها بعد ثورة يناير وأضاعت على الشعب المصري فرصة تاريخية لصناعة نظام ديمقراطي حقيقي ، وأنها مجموعة منغلقة ومتطرفة لا تؤمن بديمقراطية أساسا وهي تحمل بصمات عقدية أقرب لما يسمى تنظيم 65 وأن الجماعة لو تمكنت من حكم مصر والسيطرة عليها لكانت الأمور أسوأ كثيرا مما هي عليه الآن ، شكرته على اتصاله وتمنيت له التوفيق ، عندما وصلت إلى بيتي كان قد وصلني خبر اعتقاله فلم أصدقه للوهلة الأولى وهممت أن أكذبه غير أنه تواتر في المصادر الإخبارية الكبيرة .
حديث أبو الفتوح في قناة الجزيرة القطرية أثار عليه غضبا رسميا واضحا ، والحملة الإعلامية الرسمية ضده كانت واضحة وصريحة ومنسقة ، وهو نفسه كان يشعر بثقل كلامه عندما أكد على أنه سيعود إلى مصر أيا كانت الأمور ، وأن بقاءه في سجن في مصر أحب إليه من أن يبقى في قصر في بريطانيا أو غيرها ، غير أن الميزان السياسي في أبسط معاييره يقول أن وجود أبو الفتوح في السجن أسوأ كثيرا على النظام وسمعته من بقائه في الحياة العامة ، خاصة وأن الحياة السياسية تقلصت كثيرا ، ولا يوجد ما يهدد فيها عمليا ، سوى بعض البيانات أو التصريحات أو الحوارات الإعلامية ، أي أنه لا يوجد تحد خطير يقلق النظام من وجوده في الحياة العامة وخارج السجن ، أما القبض عليه بتلك الصورة والسرعة فهو يقلب الرأي العام الدولي على مصر ، ويضر بسمعة النظام ضررا بالغا ، كما أنه يعطي انطباعات غير جيدة عن الأداء السياسي في مصر بشكل عام .
قناعتي الشخصية ، ومن خلال تجربتي الإعلامية في السنوات الست الماضية ، أن عبد المنعم أبو الفتوح صاحب مشروع سياسي مستقل بالفعل حاليا ، يحاول الدمج أو الوصول إلى نقطة التقاء بين التيار الإسلامي والتيار المدني في العمل السياسي ، وأن الصلة بينه وبين الإخوان انتهت بغير رجعة ، بل وخلفت مرارات يستحيل علاجها بين الطرفين ، ويكفي ملاحظة حملة الشتائم والتشفي في خبر اعتقاله من قبل نشطاء الإخوان ، إنهم يكرهونه ربما أكثر من كراهيتهم للسيسي نفسه ، بل ويعتبرونه المسئول عن وصول السيسي إلى السلطة ، كما يعتبرون أي معارض لحكم مرسي أو متظاهر ضده هو مسئول عن كل ما آلت إليه الأوضاع ، لأنهم يضمرون أن مرسي في موقع "أمير المؤمنين" ولا يجوز نقده أو معارضته أو تقليب الرأي العام عليه سياسيا وإعلاميا أو النزول للتظاهر ضده ، ومن فعل ذلك فهو متآمر ومرتكب لكبيرة ، وخاصة من تظاهروا ضده في 30 يونيه 2013 ، لذلك ساءني كثيرا أن يردد بعض الإعلاميين حكاية أنه "إخوانجي" ، بنفس البساطة والغرابة التي كانوا يطلقون بها على الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه صاحب ميول إخوانية وأن شقيقه عضو بالتنظيم الدولي وشريك لخيرت الشاطر في البيزنس ، هذا مستوى من الخطاب الإعلامي والسياسي لا يليق .
أكتب هذه السطور وأبو الفتوح أمام نيابة أمن الدولة للتحقيق معه ، وآمل أن تحمل نهاية التحقيقات أخبارا إيجابية ، للجميع ، لأبو الفتوح وللنظام السياسي أيضا .