الأخبار
خالد جبر
سيناء.. سنوات التحرير والتطهير
تمثل سيناء بالنسبة لي قيمة كبيرة وعزيزة.. مثل كل المصريين.. لكنها تحمل لي ذكريات غالية.. وطأت قدماي تلك البقعة العزيزة بعد أيام من حرب تحريرها في العام ١٩٧٣ ضمن الرحلات التي كانت تنظمها القوات المسلحة لطلاب الجامعات.. ليتعرفوا علي الملحمة العظيمة التي قام بها رجال الجيش المصري الأبطال والتي وقف أمامها التاريخ العسكري علي أنها أعظم العمليات العسكرية البرية في التاريخ.
بعد شهور قليلة.. وأثناء خدمتي ضابطا احتياطيا بالقوات المسلحة بإدارة الشئون المعنوية.. لم يمر شهر وإلا كانت هناك زيارة لي إلي الجزء المحرر من سيناء.. أكتب وأنقل قصص الأبطال.. وأرافق مراسلي الصحافة العالمية الذين جاءوا لينقلوا إلي العالم الإعجاز الذي قام به الجندي المصري.. وأصطحب نجوما ذهبوا إلي هناك مهنئين الأبطال يشدون من أزرهم.
عندما ضاعت سيناء في العام ١٩٦٧ أحسست أن قطعة من جسدي قد ضاعت.. وعندما عادت سيناء إلي أرض الوطن أحسست كأن جسدي قد اكتمل من جديد.. وأهم محطة في حياتي الصحفية كانت ذهابي مع أول مهمة لاستلام مدينة شرم الشيخ ورفع العلم المصري علي أرضها عام ١٩٨٢.. بعد غياب ١٥ عاما.. كل هذا تحقق بفضل الله أولا وبدماء وعرق وجهد أبطالنا البواسل قادة وضباطا وجنودا.. حفظهم الله.
الإهمال الذي عانت منه سيناء بعد تحريرها.. وعدم اكتمال خطط تنميتها حولها إلي مكان خصب لإنتاج الإرهاب والإرهابيين.. وأصبحت شوكة في ظهر مصر والمصريين بدلا من أن تكون منجما للخير في الصناعة والزراعة والسياحة والتعدين.. وازدادت الصورة قسوة وبشاعة في سنوات ما بعد الانفلات الأمني الذي بدأ في ٢٠١١ والأعوام التالية التي كادت تضيع فيها مصر كلها لولا إرادة الشعب وإخلاص رجال القوات المسلحة في يوليو ٢٠١٣.. عادت مصر.. ولكن بقيت فئران التكفير والإرهاب في جحورها بسيناء. ومع انطلاقة العملية العسكرية الشاملة »سيناء ٢٠١٨»‬ فجر الجمعة الماضية، والتي يصفها خبراء عسكريون بأنها »‬أكبر عملية تقوم بها القوات المسلحة منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣»، وبعد استعداد وحشد غير مسبوق لقوات الجيش والشرطة في مختلف المحافظات، ربما أدرك الجميع أن وقت »‬ القوة الغاشمة »‬ الذي أشار إليه الرئيس السيسي عقب حادث تفجير مسجد الروضة الذي راح ضحيته المئات من الأبرياء وهم يؤدون صلاة الجمعة قد حان بالفعل، لتوجه مصر الضربة القاضية لعصابات الإرهاب المسلح، بعد حرب استنزاف طالت بين الجانبين علي مدي ٤ سنوات.
عملية »‬سيناء ٢٠١٨» هي عملية انتظرناها طويلا رغم توقيتها المفاجئ وهو أمر استراتيجي وتكتيكي ضروري.. فكثير من خبراء الأمن والاستراتيجية يتحدثون عن أن تلك العملية تأتي استكمالا لعمليات متعددة شنتها القوات المسلحة خلال السنوات الـ 4 الماضية، في سيناء والمناطق الحدودية تحت مسميات مختلفة مثل العمليتين »‬نسر 1 و2» وعملية حق الشهيد والتي شملت 4 مراحل، لكن هذه المرة يري عدد من الخبراء العسكريين أن العملية الحالية لن تكون كما سبق، فهي »‬عملية شاملة تأتي بعد تمرس الجيش علي مواجهة التنظيمات الإرهابية واكتساب القوات خبرة كبيرة في تعاملهم، وتأتي العملية معززة بدعم من كل الأجهزة في الدولة وكل فروع القوات المسلحة.
تلقي عملية »‬سيناء ٢٠١٨» دعما شعبيا كبيرا وتحظي بدعوات كل المصريين بأن تكلل بالنجاح وأن تنتهي بالقضاء التام علي البؤر الإرهابية المنتشرة والمختبئة في مغارات جبال سيناء.. إلا أن الحرب علي الإرهاب واقتلاع جذوره من التربة المصرية، تتطلب الاستفادة من دروس التاريخ، فالضربات العسكرية والأمنية - علي أهميتها - لا يمكن أن تسجل انتصارا حاسما ونهائيا علي الإرهاب، فالمواجهة الفكرية ضرورة لا غني عنها، ومعارك العقول لا تقل ضراوة عن معارك السلاح، لكنها يمكن أن تكون أطول مدي وأعمق أثرا.. كما البدء الفوري لمشروعات التنمية في سيناء أمر بالغ الأهمية كي تكتمل عودة سيناء إلي الوطن الأم.
سيناء ١٩٦٧.. هي أرض الاستهتار والاستهانة.. سيناء ١٩٧٣ هي أرض البطولة والعزة والكرامة.. سيناء ٢٠١٨ هي أرض التطهير من الإرهاب.. والطريق إلي الخير والنماء.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف