شاب نرى مثله المئات يوميًا لكننا لا ننتبه إليهم، لم ينل حظا كبيرًا من التعليم، فلم يصل حتى إلى المرحلة الإعدادية، وليست عنده موهبة فى الكتابة الصحيحة واختيار الألفاظ المناسبة التى تبدو منطقية وبديهية عند البعض.. كتب منشورًا فى أحد مجموعات فيسبوك.. وكانت الكلمات غير السليمة في المنشور مثل المطر.. فلم يسلم من الناس.
لا يهمني أن أعرض فكرو المنشور ولا اسم الرجل.. الذي يهمني أن الناس تركت ما كتبه الرجل، وبدأت فى السخرية من طريقته فى الكتابة وألفاظه غير الصحيحة وكلماته التى تدل أنه لم يتعلم.. فتحولت كلماتهم إلى رصاص أو إلى كرة ثلج تكبر رويدا رويدا.
التعليقات وصلت إلى المئات، فيها الكثير يسخر والأغلب يضحك ولا يتوقف الناس عن الغمز واللمز عن ضعف الشاب فى الكتابة.. وترتيب حروف اللغة عنده.. فالناس أسرفت فى استخدام (الإيموشن) الضاحك.. لا أحد يوقفهم.. إلا نفس الشاب بعد عدة أيام.
وأعترف لكم أن كتابته ركيكة وبها من الأخطاء الإملائية ما يندى لها الجبين، لكنها أيضًا فيها كثير من الحكمة والموعظة.
فكتب الشاب يقول ما معناه: "لابد أن تعرفوا أنني لم استسلم لما كتبتموه وعلقتم به، فسخريتكم أثرت على نفسيتي، وكان يمكن أن تجعلني أنتحر لكنني اعتدت على الكفاح والمعافرة.. أنتم لا تعلمون شيئا عما قاسيته فى حياتي.. أنا عائل لأخوتي وأمي منذ أن كان عمرى 12 سنة، كنت لا أذهب إلى المدرسة.. فقط كنت أعمل ثم أحصل على الطعام لأعطيه لأسرتي.. ولحاجتي الشديدة إلى العمل اضطررت أن أذهب مرات عديدة رغم أنني مصاب في عيني، إصابة أثرت عليها حتي الآن، وكدت أن أفقد نور بصرى لكن الله سلم.. لم أنل حظًا من التعليم ولا أستطيع أن أكتب مثلكم.. ولكنني حصلت على قدر كبير من خبرات الحياة وحكمة الشارع.. أريد أن أقول لكم توقفوا عن السخرية ممن لا تعلمون ظروف حياتهم ولا ما قاسوه وعانوه منها.. توقفوا عن السخرية حتي لو كانت المعاناة صغيرة أو كبيرة.. فأنتم لا تعلمون."
بعد ما انتهي الشاب من نشر كلامه، بدأ حفل تكريم على منشوره الجديد من أعضاء المجموعة.. حفل تقدير واعتذار على ما فعلوه معه من قبل.. وتطيب خاطر عما فعله الآخرون.
في رأيي أن هذا الشاب ــ دون أن يدري ــ طبق الحكمة التى تقول إن "الحياة ما هي إلا نوع من التوافق المستمر مع سلبيات الناس".. والمعني أن في الناس عيوبًا, وأنا أيضًا وهذا الشاب أيضا.. فهو يدرك أن عنده عيب فى كتابته.. لكنه كان متسامحا مع عيبهم فى السخرية وعدم تقدير ظروفه.
ليس بيننا من لم يسخر من غيره ومن نفسه أيضا.. ولكن هذا الشاب علمني بطيب نفسه وروحه.. أننا لا يجب أن نشير إلي العيوب والأمراض وفقط.. دون أن نحمل السعادة أيضا ونوضحها ونجليها.. ولا نسخر بصفة مستمرة دون أن نعرف المبررات.
لهذا الشاب وغيره ممن يواجهون معاناة فى الحياة شكرا لكم.