ظل «الحب» بين الرجل والمرأة العلاقة الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ البشرية، والأكثر إدرارا للمداد فى الرسائل والكتب بكل اللغات، والأكثر إثارة للحيرة عند المفكرين والفلاسفة. وفى كل عصر وكل أوان تطل علينا نظريات جيدة عن الحب وأفكار ألمعية لتفسيره. وربما يكون كتاب «طوق الحمامة فى الألفة والإلاف» للإمام ابن حزم الأندلسى هو الكتاب الأكثر شهرة والأكثر تشريحا لأسرار الحب وعوالمه وصوره المتنوعة. مع ذكرى عيد الحب التى مرت منذ يومين، يعرض فى الصالات الفيلم الأمريكى «خيوط وهمية» المرشح لست جوائز أوسكار منها ترشيحات لأفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل، وقد فاز مؤخرا بجائزتى جولدن جلوب وأربع جوائز بافتا (وهى الجوائز المكافئة للأوسكار فى بريطانيا) باعتبار أن الفيلم إنتاج مشترك مع بريطانيا. مخرج الفيلم هو واحد من أكثر الفنانين موهبة فى عالم المخرجين بأمريكا والعالم أجمع وهو بول توماس أندرسون، الذى عرف بأفلامه المهمة مثل ماجنوليا عن العالم المزيف الذى نعيش فيه، و«سيكون هناك دماء» عن حمى اكتشاف البترول بأمريكا. وبطل فيلمنا هو الأيرلندى البريطانى دانييل داى لويس المصنف من عظماء التمثيل فى هذا العصر وحصل على 3 جوائز أوسكار. يحكى الفيلم عن عالم رينولدز وود كوك مصمم الأزياء الشهير الذى يعيش فى بريطانيا فى سنوات الخمسينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هو منغمس إلى حد الثمالة فى تصميم أرقى الأزياء للملكات والأغنياء ونجوم المجتمع. وتبدو حياته شديدة التوازن والكمال من وجهة نظره وكل شيء فيها محسوب بدقة: مواعيد استيقاظه، الطعام غير الدسم الذى يفضله وطقوسه فى العمل. تساعده شقيقته سيريل على إحكام السيطرة على هذا العالم ومدى التزام العاملين لديه بالقواعد. لكن يبدو أن شيئا بدأ يؤرق روح مصمم الأزياء المبدع. ربما هو فى حاجة لشعور أعمق ينعش ما بداخله. تقترح عليه أخته أن يذهب إلى الريف، لعله يجد ضالته هناك. وبدون أن يقصد، وجد مشاعره تنساق إلى سيدة بسيطة اسمها ألما كانت تقدم له الفطور فى أحد المطاعم. بدأ حبه لها يتسلل بداخله وسرعان ما أصبحت كذلك مصدر وحيه والموديل الذى يجرب عليه كل تصاميمه. وأضحت ألما كالمنومة مغناطيسيا فى عالم هذا الرجل. كان يقضى معظم وقته وسط أجمل السيدات بدون أن تجذبه إحداهن. وكان يرضى غرورها أنها المفضلة لديه. فقبلت أن تنضم للعمل بالأتيلييه الخاص به بدون أى وضع خاص لها باعتبارها حبيبته ومصدر وحيه. مجرد عاملة وسط العاملات تقوم بمناولة الخيوط وحياكة بعض الأجزاء، وليس لها الحق فى أخذ رأيها فى شيء. أما فى المسكن الخاص به الواقع فى نفس مبنى الاتيليه، فلها بعض الحقوق كحبيبة تتدلل أحيانا وتعامل معاملة لطيفة، لكن إلى حدود أيضا. شعرت ألما أنها تحتاج مساحة أكبر ولا ترضى بالتهميش فى عالم حبيبها، فبدأت تتمرد قليلا، لكن الرجل صعب المراس ولا يقبل أن يعبث أحد بروتينه الصارم حتى لو كان إصدار أصوات عالية أثناء المضغ فى حصة الإفطار. تفتق ذهن ألما أن الطريقة الوحيدة لكى تسيطر على الأمر هى أن تقوم بسم رينولدز عن طريق بعض الحواف السامة لنبات المشروم. يقع الرجل صريعا أثناء تفقده فستان عرس مهما يصنعه لأميرة بلجيكية، فتنكب على تمريضه وتمنع حتى الطبيب أن يكشف عليه. حتى شقيقته التى تعد توأم روحه، لم تستطع وقف ألما عن مخططاتها. استجاب الرجل فى مرضه لألما وأصبح كالطفل بين يديها. وما أن استرد صحته حتى اكتشف أنها لها الدور الاكبر فى شفائه فطلبها للزواج فورا. طبعا طارت من السعادة ووافقت، لكن سرعان ما اكتشف أن عالم إبداعه وتصميمه للأزياء أهم مائة مرة من زواجه بها. وهو بدأ يتملل من وجودها الدائم بجانبه بتفاصيلها المختلفة عن ذوقه، ولم يرق له عندما صرفت كل العاملين لديه مبكرا لكى تستطيع أن تنفرد به وتعبر له بشكل مباشر عن حبها له. ثم فسر جدب إبداعه فى هذه المرحلة بزواجه منها، وكلم شقيقته فى وجوب رحيل ألما عن المنزل والأتيليه اللذين بنياه وحدهما بدون شريك ثالث. لكن ألما لم تستسلم، وقررت أن تعيد الكرة وتضع له المشروم السام أثناء إعداد قرص أومليت للعشاء. لكن هذه المرة أدرك رينولدز ما ستفعله به، لأنها ببساطة أوحت له بذلك وقالت له أنها تريد له أن يصبح ضعيفا لكى تصبح هى فقط من ترعاه. وافق رينولدز على أكل المشروم السام ومرض لكى تطببه. ليفتح الفيلم بابا هاما للتساؤل عن شكل هذا الحب و تموجاته ورغبة اثنين فى الحفاظ على وحدة حبهما حتى بالموت.