الأهرام
د . محمد حسين ابو الحسن
ما فعله «سام» مع «صوفا»
فى أخطر مواجهة بين سوريا وإسرائيل، أسقط صاروخ «سام -5» سورى طائرة «إف-16» (صوفا) إسرائيلية، فى ضربة هى الأولى من نوعها منذ 36 عاما، لم يخف الإسرائيليون شعورهم بالصدمة، يمثل الحادث «تصدعا» للردع والتفوق الإسرائيلى الكاسح فى الشرق الأوسط، وزلزالا يهز عقيدتها الأمنية، وصفته صحيفة «هاآرتس» بأنه «درس فى قيود القوة» بالمقابل توعد مسئول سورى بمفاجآت أكبر لو هاجمت تل أبيب بلاده ثانية.

يمكن فهم الصدمة الإسرائيلية، فالصاروخ السورى قديم، يعود إلى ستينيات القرن الماضى، الترسانة السورية نفسها تحوز أحدث منه، بينما الطائرة متطورة للغاية، وهى صناعة أمريكية بتعديلات إسرائيلية، تجعل منها وحشا طائرا وأداة قتل وتدمير رهيبة.. وتشكل «الصوفا» العمود الفقرى لسلاح الجو الإسرائيلى الأقوى بالمنطقة، بالإضافة إلى طائرات ـ«إف-15» و«إف-35» الشبحية بقدرات خارقة.

ويشكل هذا الحدث الاستثنائى نذير شؤم للإسرائيليين، فهو مؤشر لإمكان قطع ايد إسرائيل الطويلة«، إنهم يخشون تكرار تجربتهم مع حائط الصواريخ المصرى فى حرب أكتوبر 1973، عندما تساقطت طائراتهم على الجبهة المصرية كالذباب، ومن لحظتها تآكلت «العقيدة العسكرية الإسرائيلية». وتقوم تلك العقيدة على الحرب الاستباقية الوقائية ضد أى تهديد، والتفوق على الخصم وردعه. الردع هنا يعنى منع الخصم من القيام بعمل عدائي، بإفهامه أن العقاب سيكون ضررا فادحا أو غير محتمل، ونقل المعركة إلى أرضه، وفرض الأمر الواقع والانتقام السريع والرد الفوري. تجيد إسرائيل التلويح بالردع تجاه الدول العربية، لتحقيق أهدافها وإفشال عملية السلام وبسط الهيمنة بالمنطقة واستثمار الموقف الدولي، تأسيسا على المعطيات الديموجرافية والاقتصادية والجيوسياسية.

ويستند مفهوم الأمن القومى لإسرائيل إلى مبدأ «نكون أو لا نكون»، باعتبار أنها تعيش فى تهديد مستمر من المحيط العربى والإقليمي، فالأمن هو جوهر سياسات حكوماتها وقادتها، ولذلك شرعت الحكومة الإسرائيلية، فور نجاح سوريا بإسقاط الطائرة، فى امتصاص واحتواء ارتدادات الزلزال، على الرأى العام الداخلى وفى الخارج، بسلسلة من الاتصالات مع العواصم الكبري، لاسيما واشنطن وموسكو وغيرهما. ووجهت رسائل إلى كل الأعداء المحتملين بأن الردع الإسرائيلى لم يسقط ولم يتزعزع، حتى لا يصبح النجاح السورى بداية لتحييد الاعتداءات الإسرائيلية، ومنع تغيير قواعد الاشتباك السائدة منذ زمن، والتى أتاحت لها توجيه ضربات فى العمق السورى ضد أهداف سورية أوإيرانية أوتابعة لحزب الله اللبناني، دون خوف من عقاب جدى أو تصد من جانب الجيش العربى السورى الذى أنهكته الحرب العالمية المشتعلة على الأراضى السورية من 2011 حتى الآن.

على الجانب الآخر تبدو الصورة مختلفة، إذ تعمل سوريا وحليفتها إيران ومعهما حزب الله لتوظيف إسقاط الطائرة كمحطة فاصلة، وتأكيد تغير قوانين اللعب فى الشرق الأوسط ومعها قواعد الاشتباك، والتهديد بأن أى عدوان إسرائيلى على دمشق أو طهران أوبيروت سيواجه برد قاس.

الابتهاج بما حدث فاض فى مواقع التواصل بعدة دول عربية.

روسيا أبرز اللاعبين فى سوريا تواجه حرجا حقيقيا، إسقاط «الصوفا» جرى بعد أيام من لقاء نيتانياهو مع بوتين فى موسكو، وخروج تلميحات بأن روسيا كان يمكنها منع السوريين من إسقاط الطائرة لكنها سمحت بذلك، ردا على إسقاط طائرتها «سوخوي-25» بصاروخ يعتقد أنه أمريكي. الجنرال كوبرواسر المدير العام الأسبق لوزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية قال بحدة إن «إسقاط الطائرة يعنى أن الرسائل الإسرائيلية التى وجّهت عبر موسكو لم تصل أو أن إيران تجاهلتها... موسكو تُستخدم من قبل الإيرانيين، وهى بمعنى ما تتحول إلى أحمق مفيد لهمب. أما الجنرال عاموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية الأسبق فأكد أن التصميم الاستراتيجى الإيرانى على بناء قوة عسكرية متقدمة فى سوريا ولبنان، اصطدم بعزم إسرائيل على وقف الاتجاه الإيراني». قد لا يكون 2018 عاما عاديا لإسرائيل، وسيبقى الأمن هاجسا مرهونا بتاريخ الصراع وجغرافيته، وبمقدار شهيتها للتسلح والتمدد تتسع دائرة التحديات والمواجهات. إن ما فعله «سام» مع «صوفا» يفيض بالدلالات، والارتباك الناجم عنه يعكس شعور تل أبيب بتراجع قوتها الرادعة، وأن موازين القوى بالشرق الأوسط مقبلة على تغيرات عاصفة. هذا معناه أن الدولة العبرية ستسلك كل الطرق لترميم وسائل الردع التقليدية وأسلحة الدمار الشامل، وأن الجنون الإسرائيلى قد يخرج من عقاله بشكل دراماتيكي، أما سوريا فقد أثبتت بهذه «الضربة الإستراتيجية» أن خصومها لن يرفعوا راية الاستسلام، وسيواصلون الضربات والسعى لردم الهوة معها قدر الطاقة والمستطاع، إنه توازن الضعف فى زمن الألم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف