المصريون
جمال سلطان
طريق بنها الحر ومعضلة طرق الدلتا
هذه هي المرة الأولى التي أستخدم فيها طريق شبرا بنها الحر الذي تم افتتاحه مؤخرا ، والحقيقة أنه إنجاز مهم وحضاري مبهج ، ويمثل عملية إنقاذ لأحد أهم شرايين العاصمة الأساسية ، شريان الوصلة بين بنها وشبرا حيث مدخل القاهرة ، وهذه الوصلة يستخدمها إجباريا سكان حوالي سبع محافظات في الدلتا ، أي قرابة نصف سكان مصر ، لا طريق لهم إلا هذه الوصلة التي ضاقت جدا ، حتى أن من يستخدمها في بعض الأيام يستغرق قرابة ساعة ونصف أو ساعتين ، رغم أنها لا تتجاوز الأربعين كيلومتر ، وهي ضرورية جدا لعمال وموظفين وخدمات وشركات وجامعات وأصحاب مصالح وأصحاب مسئوليات اجتماعية ممن يزورون أسرهم في الدلتا وغير ذلك ، كانت مأساة حقيقية أن تضطر لاستخدام هذا الطريق .
الطريق الحر الجديد اختصر تلك المسافة إلى حوالي ربع الساعة تقريبا ، بمسار آمن وحر بدون أي تقاطعات ، وهو ممتع نظرا لكونه طريقا زراعيا يمر بين حقول ومزارع وأشجار البرتقال وفي نفس الوقت طريق علوي حر على أربع حارات في كل اتجاه واستخدم فيه أربعين كوبري ، ورغم أن مخطط هذا الطريق معد قبل سنوات وقام به مشكورا مكتب الخبير الهندسي الدكتور ممدوح حمزة ، إلا أن قرار تنفيذه تأخر كثيرا ، والمهم أنه تم ، وهو يربط بين الطريق الدائري القديم بالقرب من منزله عند طريق الاسكندرية الزراعي وصولا إلى الطريق الدائري الإقليمي الجديد ومحيط مدنية بنها ، ومنه يستطيع مستخدمه أن يتجه إلى الزقازيق أو بنها أو الاسكندرية أو المنصورة حسب التفريعات التي تم إنشاؤها .
هناك بعض الملاحظات التي أعتقد أنها جديرة بالتنبيه لجعله أكثر عملية ويسرا على المواطنين ، وفي مقدمة ذلك بطبيعة الحال إعادة النظر في رسوم استخدامه ، فلا يعقل أن يدفع المواطن خمسة عشر جنيها رسوما للمرور في طريق طوله لا يصل إلى أربعين كيلومتر ، وإذا كان في مصلحة يعود بعدها فإنه سيدفع ثلاثين جنيها ، في حين أنه يدفع خمسة جنيهات لاستخدام طريق الإسماعيلية الصحراوي وهو أكثر من مائة كيلو متر ، ويدفع عشرة جنيهات لطريق الاسكندرية الصحراوي وهو قرابة مائتي كيلومتر ، ولا أدري على أي أساس تم تقدير هذه القيمة المبالغ فيها جدا ، وكأن من وضعها يتعمد أن يصرف الناس عن استخدامه .
المسألة الأخرى أن العلامات الإرشادية على الطريق ضعيفة وأحيانا مضللة ، وخاصة في نهاية الطريق بالقرب من مدينة بنها ، فلا تعرف بالضبط ما هو المنزل الذي يدخلك إلى المدينة ، كما أن الإشارة إلى مخرج دخول طريق الزقازيق لا يوجد معها أي إشارة ولا مخرج أساسا لطريق بنها الذي هو امتداد له ، فالبديهي لأي كوبري كبير أن يكون له منزلين في الاتجاهين المتقابلين ، فلا يعقل أن تجبره على النزول في اتجاه الزقازيق يم يتصرف بعدها بمعرفته حتى يعود في الاتجاه العكسي .
أيضا ، من أجل أن يستخدم المواطن هذا المحور المهم ، لا بد أن تكون الطرق الواصلة إليه ميسورة وليست رحلة عذاب ، وهو الأمر الذي يستدعي حل مشكلات الاختناق في الطريق الدائري القديم في المنطقة من تقاطع الإسماعيلية الصحراوي وحتى الاسكندرية الزراعي الذي تحول إلى رحلة عذاب ، كذلك إعادة نظر في طريق بنها الزقازيق الزراعي الذي يمثل "عورة" إنسانية لا تليق ببلد يعيش أبسط شروط التحضر ، وإذا كان طريق بنها الحر استخدم فيه أربعون كوبري علوي ، فإن أربعة أو خمسة كباري عند أماكن الاختناق في طريق الزقازيق ـ خاصة عند شبلنجه ومنيا القمح كافية لحل أزماته ، خاصة أن المرور عبر مدينة منيا القمح هو مرور عبر سوق شعبي حقيقي الداخل مفقود والخارج مولود ، إضافة إلى أهمية الاستعانة بخبراء وأساتذة هندسة طرق على مستوى عال ، لأن بعض الأفكار العقيمة ما زالت تتصور أنه من الضروري في طريق ضيق مثل هذا أن تبني جدارا فاصلا بين الاتجاهين يسحب عمليا حوالي متر ونصف من سعة الطريق الذي هو أساسا لا يتجاوز ثمانية أمتار في بعض الأماكن ، في حين يمكن استخدام عيون القط الكبيرة لحل المشكلة وفي نفس الوقت إعطاء مساحة مناورة عند الأزمات العارضة .
هذا الطريق يكشف أن مشكلات بلادنا لها حلول بسيطة ، وبأقل التكاليف ، إذا صح العزم وفكرنا في "الإنسان" وفي "المواطن" وليس في النفاق والتهليب أو النخبة الصغيرة المدللة في العاصمة ، ويمكن أن تكون حياة الناس في بلادنا أكثر راحة بجهد قليل ، فهذا الطريق لم يتكلف أكثر من ثلاثة مليارات ونصف المليار جنيه ، أي أنه بحوالي عشرين مليارا تقريبا (أكثر قليلا من مليار دولار) يمكن أن نحل مشكلات دلتا مصر جذريا ، وهي أولى من أن نضع مئات المليارات في إنشاء مدينة واحدة صغيرة نبنيها على حدود القاهرة بدون أي ضرورة ولن تخدم واحدا في المائة من سكان مصر ، كما أن إنجاز هذا الطريق يؤكد على أن أي إنفاق في البنية الأساسية للبلد لا نحزن عليه مهما كان حجمه ، لأنه يفيض بالنفع والخير على جميع المواطنين ، وحتى لو وقع فيه بعض الفساد والهدر ، فهناك إنجاز حقيقي يعيشه الناس ويلمسونه وينتفعون به يغسل الأخطاء ، بخلاف هدر المال العام في المنظرة والاستعراض ورفع الروح المعنوية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف