المساء
مؤمن الهباء
فشل المشروع الأمريكي
في اعتراف واضح وصريح قال مايكل أورن نائب رئيس وزراء اسرائيل للشئون الدبلوماسية إن أمريكا ليست لاعبا أساسيا اليوم في الشرق الأوسط . بل روسيا هي التي تمسك بأوراق الوضع في المنطقة . وأضاف : "إن الجانب الأمريكي في المعادلة الراهنة يوفر لنا الدعم لكن الولايات المتحدة الآن لا تملك تقريبا أي نفوذ في المنطقة الساخنة المحيطة بنا . في العراق وسوريا ولبنان . أصبحت خارج اللعبة لأنها لم تضع أية أرصدة فيها . وروسيا علي العكس هي القادرة علي الحركة ووقف المواجهة التي نشأت عند الحدود خلال الأيام الماضية".
وقد جاء هذا التصريح الكاشف ليؤكد من جديد فشل المشروع الأمريكي في منطقتنا العربية . مشروع تفكيك الدول العربية وخلق شرق أوسط جديد ضعيف تكون القيادة والسيادة والقوة والهيمنة فيه لإسرائيل . يدين بالولاء الكامل لواشنطن ويخضع عمليا لإرادة تل أبيب بما يحقق مصالح الدولتين ويضمن استمرارها.
هم يتصورون أن العرب قد باءوا بهزيمة تاريخية حضارية نهائية . وقد جاءت اللحظة التي عليهم فيها أن يعلنوا استسلامهم بغير شروط . ويقبلوا بأية حلول تفرضها أمريكا وإسرائيل دون المطالبة بأية حقوق . فالمهزوم ليس له حقوق . وبالتالي لا حديث عن مفاوضات ومبادرات سلام . تلك كانت مرحلة وانتهت . وما تقرره واشنطن وتل أبيب سيكون .
والحقيقة أن هذا المشروع الجامح لم يكن مشروعا أمريكيا صرفا . وإنما هو مشروع أمريكي صهيوني . وليس من قبيل المبالغة القول بأن اسرائيل كانت المحرك والمحرض علي صياغته اعتمادا علي ما أصاب العالم العربي من ضعف وركود . ثم دخل اليمين الأمريكي المتطرف وتيار المسيحية الصهيونية علي الخط لفرض المشروع بالقوة الرعناء المتعجلة فكانت النتيجة أن انكشفت الأوراق وحوصر المشروع وانتهي إلي العزلة والفشل.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الولايات المتحدة تمتعت بنفوذ كبير في الشرق الأوسط علي مدي السنوات التي تلت حرب أكتوبر 1973 وانطلاق مفاوضات السلام بين اسرائيل وجيرانها العرب . وهو ما جعل الرئيس السادات ـ الله يرحمه ـ يصرح في مناسبات عديدة بأن أمريكا تملك 99% من أوراق اللعبة في المنطقة . ونجح الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون في إعطاء صورة ـ ولو علي غير الحقيقة ـ بأن بلادهم هي راعية السلام والوسيط النزيه الذي سيحقق مصالح كل الأطراف ويحافظ علي ثوابتها وحقوقها . وبذلك تمكنت امريكا من مد الخطوط مع كل الأنظمة ودخلت كل العواصم وفتحت أبوابها حتي لأقصي المتشددين ضدها . واحتفت بياسر عرفات في البيت الأبيض .
لكن الصورة تبدلت تماما الآن خصوصا بعد أن اتضحت مخططات الرئيس دونالد ترامب في صفقة القرن وقراره الأرعن باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وتهديده الدائم لاقتسام ثروات دول الخليج وتصريحاته الفاشية المتعصبة المسيئة للمسلمين والعرب . ومن هنا كانت عزلة أمريكا وانسحابها الإجباري تدريجيا من المناطق الملتهبة في سوريا والعراق واليمن وليبيا لصالح الدور الروسي العائد بقوة واقتحام . ثم تجميد دورها في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل . وصارت موسكو وسوتشي ـ وليست واشنطن ـ هي مقصد الباحثين عن حلول لصراعات المنطقة . وأدركت إدارة ترامب جيدا حجم الإهانة التي لحقت بها أثناء التصويت في الأمم المتحدة ضد قرارها بشأن القدس .
لقد فشل المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط استراتيجيا . ولن يجد ترامب من يتعاون معه في أوهام صفقة القرن بعد أن انكشفت أبعادها . بل إن كل الأطراف الآن تتبرأ من هذا المخطط الشيطاني الذي ينطوي علي خيانة الأوطان وتضييع الحقوق وتعمل علي مواجهته . وأكبر مثال علي ذلك العمليات الباسلة التي تقوم بها قواتنا المسلحة في سيناء حاليا . هي رسالة موجهة إلي الإرهابيين والقوي التي تدعمهم ما في ذلك شك . لكنها رسالة أيضا إلي إسرائيل وأمريكا بأن مصر لا يمكن أن تفرط في شبر واحد من أرضها لأي سبب وتحت أي مسمي .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف