المساء
مؤمن الهباء
أين ذهب الأدب؟!
اعتاد الأدباء والشعراء والكتاب علي توجيه اللوم للمصريين بأنهم لايقرأون. ولم يعد للكتاب والكلمة المطبوعة تأثير في اهتمامات حياتهم كما كان الأمر من قبل. عندما كانت القصيدة تنشر في الصفحة الأولي من الأهرام فتصير حديث الناس. ويحفظها العامة قبل المثقفين. وعندما كانت الصحيفة تباع بمقالات كبار الكتاب. طه حسين والعقاد والمازني وتوفيق الحكيم. ثم متأخرا نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس علي سبيل الامثال. وكان صدور ديوان جديد أو رواية جديدة يمثل حدثا ثقافيا مهما في طول البلاد وعرضها. بل يتجاوز حدودنا إلي الدول العربية الأخري التي تحتل مصر بالنسبة لها موقع القيادة والريادة والنموذج الأمثل .
في معرض الكتاب الأخير كانت هناك ملاحظة متكررة من بعض الأصدقاء الأدباء والكتاب من أن أغلبية الذين ذهبوا إلي المعرض من الأسر والشباب كان هدفهم الفسحة. وكان من السهل أن تري تجمعهم حول مواقع الطعام والشراب والتسلية أكثر من تجمعهم أمام دور النشر وعناوين الكتب والندوات ولقاءات التوقيع التي غالبا ما تضم الأصدقاء والأقرباء والأتباع والمجاملين. ونادرا ما يأتيها القارئ العادي .
ولا شك أن هناك أسبابا موضوعية طرأت علي حياتنا أدت إلي ضعف الاهتمام العام بالقراءة والكتاب والكلمة المطبوعة. منها علي سبيل المثال ظهور وسائل حديثة للهو والمتعة أيسر وأكثر جاذبية وأسرع في التواصل كالراديو والتليفزيون وشبكة الانترنت التي صارت آية العصر. بالإضافة إلي أننا بالأساس نعاني من الأمية ولسنا شعبا قارئا بالفطرة مثل الأوروبيين الذين يحرصون علي القراءة ولو في وسائل المواصلات العامة. ودائما يكون الكتاب رفيقهم في رحلاتهم .
وقد تناول كثيرون هذه الأسباب الموضوعية بالشرح والتحليل. ولذلك لن أكرر ما قيل في هذا الخصوص. وسأترك لوم الجمهور إلي لوم الشعراء والأدباء والكتاب أنفسهم الذين أري. ويري قطاع عريض معي. أنهم مسئولون في جوانب ثلاثة علي الأقل عن ظاهرة انصراف الناس عن القراءة والكتاب والكلمة المطبوعة بصفة عامة .
الجانب الأول يتعلق بصنعة الكتابة ذاتها. فقد تمرد جلهم علي أساليب البلاغة العربية وفضلوا تقليد أساليب الكتابة باللغات الأجنبية تقليدا ماسخا عن عمد أو عن جهل. فجاء المنتج الأدبي مشوها لا متعة فيه. شعرا كان أو نثرا. لا حلاوة فيه ولا طلاوة. وزادهم الجهل بقواعد اللغة العربية وآدابها بؤسا. وحاولوا تغطية هذا الجهل بادعاء التجديد ورفض الوصاية. وهم يفتقدون أبسط أدوات التجديد. وغرق كثيرون في الغموض والتهويم والجنس والسطحية. واتسع المجال لمدعين لايملكون الموهبة والأدوات. فصار الأدب باسم الحداثة لعبة علي المشاع لكل من هب ودب.وضاع وسط الزحام الإبداع الحقيقي والمبدعون الحقيقيون القليلون. وتدهورت الذائقة الأدبية لجمهور القراء. وتراجع شغفهم بالكلمة والصنعة والفن المقروء. وتحولت اهتماماتهم إلي صنعات أخري أدني منزلة وأقل قيمة وكلفة .
الجانب الثاني يتعلق بمضمون ما يكتب الشعراء والأدباء والكتاب. بالرسالة التي يوجهونها إلي جمهورهم. والتي صارت في الغالب الأعم رسالة مائعة ملفقة زائفة مشكوك في فحواها وهدفها وصدقها. حتي لو كانت تتحدث في الحب والمشاعر والعواطف الإنسانية. فقد علت المادة وطغي المحسوس علي المعنوي. وانتهك الحياء العام. وأصبح الإنسان مكشوفا عاريا . ليس فيه ما يغري. وليس فيه ما يحرض علي الفكر وما يستفز العقل ويحرك الوجدان . وما يقال عن العواطف يقال عن ميادين الكتابة الأخري التي سيطر عليها النفاق والكذب والتقليد والجمود والرتابة والاستسهال. وخلت من الإبداع .
الجانب الثالث يتعلق بالقضايا التي يثيرها الشعراء والأدباء في المجتمع. كانوا قديما يتبارون في النقد والتجويد وإتقان الصنعة.وكانت معاركهم جادة ولغتهم راقية. حتي في مزاحهم. وكان العامة يستمتعون بمتابعة هذه المعارك الأدبية والفكرية . الآن صارت قضاياهم شخصية انتقامية. ولغتها ركيكة. لا تكاد تخلو من الشتائم ولا تختلف كثيرا عن لغة أهل الحارة. وصار الناس يبحثون عن " الأدب " فلا يجدونه حتي ملوا وانصرفوا .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف