جمال سلطان
أبو الغيط وورطة الجامعة العربية
في إحدى ندوات مؤتمر الأمن بميونخ وقعت مواجهة خشنة جدا بين أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية مصر السابق وبين شاوش أوغلو وزير خارجية تركيا ، والحقيقة أن التحرش وقع من أبو الغيط ، لأنه تكلم مهاجما تركيا وأدان عملياتها العسكرية في شمال سوريا وخاصة في "عفرين" وطالبها بمغادرة الأراضي السورية لأن وجودها غير قانوني ، فأخذ الميكروفون وزير خارجية تركيا وأسمعه ما لا يحب ، وقال له أن تركيا تدافع عن أمنها القومي ضد مجموعات إرهابية تتحصن في مدينة عفرين ، كما أنه لو كان يتكلم ـ يقصد أبو الغيط ـ باسم منظمة جادة لكانت قد عملت على منع قيام رئيس إحدى دولها بقتل نصف مليون من شعبه ، يقصد السفاح بشار الأسد ، كما أنه ـ والكلام ما زال له ـ لو كانت منظمة جادة لأوقفت قرار جعل القدس عاصمة لإسرائيل .
لم يكن التعليق طويلا ، ولكنه كان عنيفا ومفحما ، وأظهرت الكاميرا لجوء "أبو الغيط" إلى كأس الماء لكي "يبل ريقه" بعد هذا الكلام القاسي الذي سمعه ، والحقيقة أن مداخلة أبو الغيط كانت خاطئة جملة وتفصيلا ، فالعار يلحق الجامعة العربية تجاه الشأن السوري كله ، ومنذ ست سنوات ، وتلك المذابح والاستباحات تجري ، سواء من النظام أو الميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية ، والجامعة في حالة خرس أو إشارات حانية خجلى في مواقف هامشية ، كما كان بشار ومعه الروس يبيدون المدن السورية ويهدمون المساجد والمدارس والمستشفيات وحتى المخابز ، دون أن نسمع أبو الغيط أو من قبله ، كأن هذا يحدث في جزر "فوكلاند" في أقصى جنوب المحيط الأطلنطي مثلا .
كما أنه مدهش جدا أن يخص "أبو الغيط" تركيا بطلب خروج قواتها من سوريا ، في حين أن سوريا تحتلها الآن جيوش أربع دول ، منها الولايات المتحدة وروسيا وإيران وجيش حزب الله اللبناني ، فما معنى أن يطلب من تركيا وحدها أن تسحب قواتها من هناك ، وماذا عن الباقين يا سيد أبو الغيط ، هل أخذك الخجل أم الخوف من أن توجه نفس الكلام للقوات الأمريكية التي تحتل شرق سوريا أو القوات الروسية التي تحتل غرب سوريا وساحلها أو القوات الإيرانية التي تحتل العاصمة ومحيطها وجنوب البلاد .
أيضا ، الموقف الذي اتخذته تركيا في مدينة عفرين مثل موقفا مشروعا في عرف المجتمع الدولي ، باعتبار أن العصابات الماركسية الكردية المتطرفة والمسلحة ، والمصنفة إرهابية تتحالف مع ميليشيات حزب العمال الكردستاني التركي ، والمصنف إرهابيا أيضا ، لشن هجمات في الأراضي التركية وإعادة رسم الخريطة السكانية في شمال سوريا على أسس عرقية بطرد الأسر العربية وإحلال آخرين مكانها تمهيدا لإعلان دولة كردية ، أي أنه تهديد جدي خطير للأمن القومي التركي ، ولذلك أبدى الأمريكان والروس تفهمهم لمحركات الغضب التركي وغضوا الطرف عن دخول الجيش التركي لمساندة قوات الجيش السوري الحر لتطهير "عفرين" ، وهذا التحدي تواجهه مصر نفسها على حدودها الغربية ، وقام الطيران المصري بقصف أهداف في شرق ليبيا بالفعل ، ولا يستبعد أن تشارك قوات مصرية مستقبلا إذا تفاقم الخطر على أمن مصر القومي .
والحقيقة أن الواقع العملي يكشف عن غياب أي أطماع لتركيا في الأراضي السورية ، فالموقف التركي المعلن والمتكرر داعم تماما لوحدة الأراضي السورية ، كما أن أي مدينة دخلتها القوات التركية في شمال سوريا تركت إدارتها بالكامل للأحزاب السورية المعارضة ، وتحولت القوات التركية إلى مجرد قوات تأمين وحماية لا أكثر ، كما مثل وجود القوات التركية حماية من القصف المتواصل لطيران النظام للأهالي والمنشآت ، لذلك تظهر المشاهد احتفال سكان شمال سوريا بدخول القوات التركية وفرحتها الكبيرة بوجودها ، فهي أبعد عن أن تكون قوة احتلال ، وإنما قوة دعم وحماية أو ما يشبه "مناطق آمنة" ، خاصة وأن تركيا تحتضن قرابة أربعة ملايين "لاجئ" سوري ، سواء ي مخيمات بمدن الحدود أو في الداخل التركي ، بكل ما يمثله ذلك من عبء أمني واقتصادي واجتماعي أيضا ، ومن حقها أن توفر لهم في سوريا نفسها أماكن للإيواء .
كان أبو الغيط والجامعة العربية في غنى عن تلك "الفضيحة" ، ويبدو أنه تصور أن كلمات "الاستعراض" في المحفل الدولي يمكن أن تمر ، أو أن يتجاهلها الآخرون ، فوقع ما لم يكن في حسبانه .