الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
مصر الجديدة - علي أبو شادي
أعادتني وفاة الناقد السينمائي الكبير علي أبو شادي سنين طويلة إلي الخلف. سنين كانت مليئة بالأمل. لقد تزاملنا في العمل بالثقافة الجماهيرية من أواسط السبعينيات حين كان يتولاها الكاتب الكبير سعد الدين وهبة ثم توالي عليها الرؤساء من مختلف المواهب والقدرات. ورغم أنه كان بإدارة السينما ثم مديرا لها بينما كنت أنا في إدارة العلاقات العامة ثم الثقافة العامة ثم مديرا لها إلا أن الجلسة الجميلة أثناءالعمل كانت حين أترك مكتبي وأذهب إليه في إدارة السينما. كنا نتحدث في كل ماهو خير في العمل ونتحدث عن الإصدرات الأدبية الجديدة وفي العمل نفسه خصوصا في المناسبات التي تجتمع فيها السينما مع الأدب. أي المهرجانات. وكان كل شيء يمضي سهلا بلا مشاكل. كان بيننا دائما من يفعلون المستحيل للوصول إلي مراكز لايستحقونها ووصلوا إليها فعلا لكن كان بيننا انا وعلي سحر جميل في الرضا والسخرية سببه عزوفي المتكرر عن أي منصب فكنت حين تشتد الرذائل و»‬ والزُنب » أستقيل من المنصب أو أطلب نقلي إلي هيئة الكتاب أو أحصل علي تفرغ أو إجازة بدون مرتب حتي لا أعطل نفسي عن العمل الأساسي لي وهو الإبداع. فلا منصب في الدنيا يساوي سهر الليل مع الموسيقي لكتابة قصة قصيرة أو كتابة رواية. هذه موهبة منحها الله لك فكيف تضحي بها من أجل جاه أو سلطان ؟ بينما كان علي بعيدا عن هذه المؤامرات لأنه كان يحب عمله ويخلص إليه وكان طوال هذا الوقت الناقد السينمائي الأبرز في الثقافة الجماهيرية ولا مؤامرات عليه من نقاد السينما فلديهم أعمالهم المهمة ومواقعهم الصحفية لذلك كان من الصعب التآمر ضده ولم أعرف يوما أن أحدهم حاول أن يأخذ مكان علي أبو شادي كما يفعل المديوكر - متوسطو القيمة والموهبة من الأدباء - مع غيرهم من الأدباء الموهوبين. وأذكر مرة أن أخبرني بأن هناك مشكلة عند رئيس الجهاز - الثقافة الجماهيرية أو الهيئة العام لقصورالثقافة كما صار اسمها - والمشكلة سببها عدد من الكتاب وصحفي أديب يريدون أن أترك مكاني في إدارة الثقافة العامة ولم يكن بيني وبينهم أي مشكلة غير أن روايتي »‬ البلدة الأخري »‬ التي كانت قد صدرت من سنوات قبلها لاتزال ذلك الوقت تملأ الدنيا اهتماما بها في كل العالم العربي وهذا أشعل غيرتهم. والرجل رئيس الجهاز في ورطة وقد حدثه عن حيرته فهو لايعرف كيف يمكن أن يفعل ذلك وأنا أقوم بعملي علي خير وجه لكنه لايريد أن يخسر هذا الصحفي الكبير ومن معه من الكتاب ويبحث لي عن موقع لا يضايقني مثل أن أكون مستشارا فضحكت وقمت من عنده إلي رئيس الجهاز وقدمت له طلبا بالموافقة علي ندبي لهيئة الكتاب وعدت أشرب القهوة مع علي ونضحك. لقد حللت المشكلة للرجل ولنفسي أيضا لأني كنت أريد التفرغ لكتابة روايتي »‬ لا أحد ينام في الإسكندرية »‬ وأعرف أني في هيئة الكتاب لن أعمل وسيكون ذهابي مرة كل أسبوع علي الأكثر وقلت لرئيس الجهاز لماذا تحتار هذا أفضل ما أريد. علي أبوشادي يلخص - وهذا هام جدا - كيف يمكن لموظف عالي الثقافة أن يتولي كل المناصب دون حاجة إلي ندب أساتذة من الجامعات. فلقد تولي رئاسة الرقابة علي المصنفات الفنية ورئاسة قطاع الانتاج ورئاسة المجلس الأعلي للثقافة وكان رئيسا لتحرير مجلة الثقافة الجديدة في فترة ومجلة »‬سينما» في فترة وغير ذلك من المناصب. ورغم أنه كان حريصا كمدير إدارة أن يذهب إلي عمله كل يوم تقريبا إلا أنه استطاع أن ينجز عددا كبيرا مهما من الكتب مثل السينما التسجيلية في السبعينيات - الفيلم السينمائي - كلاسيكيات السينما العربية - أبيض وأسود - وقائع السينما المصرية في مائة عام - كلاسيكيات السينما المصرية في ثلاثة أجزاء - السينما والسياسة - اتجاهات السينما المصرية - وغيرها وحده أو مع آخرين مثل الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي ولم يشغله المنصب ومشاكله عن الكتابة والابداع في النقد السينمائي. وفي كل منصب ارتقاه لم يترك خلفه إلا ذكري طيبة. كان صدره يتسع للجميع ويدل الجميع علي الصواب ودائما علي ثقة من نفسه. وفاة علي أبوشادي ذكرتني بزمن وعمر وأصدقاء اجتمعنا معا علي حب الفن والأدب. فرقت بيننا السنين والصحة التي لم تعد تعطي الواحد القدرة علي التواصل في لقاءات معهم لكن ظلوا في روحي. أصابتني وفاته بصدمة لكن من يستطيع أن يتمرد علي الموت. ليس أمامي إلا أن أصدق رغم الحزن الكبير. رحم الله علي أبوشادي ورحم زمنا جميلا ليس لأنه قديم ولكن لأن مواهب العاملين في الحقل الثقافي كانت كبيرة بحق.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف