المساء
مؤمن الهباء
أصحاب المقام الرفيع
قدم قضاة مصر ممثلين في مجلس ادارة ناديهم نموذجا للوعي بالدور الذي يقومون به في وطنهم والرسالة التي يضطلعون بها والأمانة التي في أعناقهم. وذلك من خلال رفضهم القاطع للتعديل الجديد الذي أدخلته اللجنة التشريعية بمجلس النواب علي المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية ضمن المشروع المقدم من الحكومة لتعديل القانون بالكامل .
وتنص هذه المادة التي اعترض عليها نادي القضاة بشدة علي تخصيص نصف مبلغ الكفالة التي يحكم بها وكيل النيابة أو القاضي علي المتهم لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة. والهدف الأساسي من هذا الاعتراض هو أن هذه المادة تضع القضاة في موضع شبهة عندما يحكمون علي المتهم بكفالة للافراج عنه. لأنهم سيكونون أصحاب مصلحة اذ سيذهب نصف مبلغ الكفالة الي الصندوق المخصص لرعايتهم . وهذا من شأنه أن يدخل الشك في نفس المتهم وأهله والناس جميعا في عدالة الحكم. وهنا ستهتز صورة القضاء لدي العامة وان لم يتحدثوا بذلك صراحة وعلنا. يكفي أن نفوسهم ستكون مشحونة بالريبة لكي يفقد القضاء هيبته وحيدته وصلاحيته واستقلاله .
وحرصا من نادي القضاة علي سمعة وشرف القضاء المصري ودرء الشبهات عن أعضائه " أصحاب المقام الرفيع " وجه خطابا حاسما الي رئيس مجلس النواب قال فيه : "يثمن نادي القضاة المساعي الحميدة والمخلصة للجنة التشريعية بمجلس النواب في شأن دعم الصندوق حفاظا علي حقوق القضاة المالية الا أنه يؤكد في ذات الوقت ورغم حاجة الصندوق الماسة لدعم موارده رفضه التام لنص تلك المادة بصياغتها الحالية لما يثيره من شبهة مخالفة قواعد الحيدة والعدالة في نفوس العامة".
يدرك القضاة جيدا أن مكانتهم في المجتمع ومهابتهم واحترام الناس لهم لا تأتي من الحراسة ومظاهر الثراء والسلطة. وانما تأتي من الاقتناع العام بأنهم يطبقون قواعد العدالة بأقصي درجات النزاهة والحيدة. وأن أحكامهم تستمد قوتها من احساس الناس بأنها صادرة عن غير هوي أو مصلحة أو ميل هنا أو هناك. ولذلك دافع القضاة الأجلاء عن استقلالهم ونزاهتهم. وينأون بأنفسهم عن مواطن الشبهات ومواضع الشك والريبة .
صحيح أن الصندوق الخاص برعايتهم الصحية والاجتماعية في حاجة الي دعم مادي. لكن هذا الدعم يجب أن يأتي من مصادر تمويل أخري لا ترتبط بالأحكام التي يصدرها القاضي ولا تكون مترتبة عليه. ويجب علي المجتمع أن يكون علي وعي بهذه القضية الجوهرية وأبعادها. وأن يجتهد في توفير مصادر تمويل بديلة تضمن لقضائه النزاهة والاستقلال. وتوفر لقضاته أسباب الحياة الكريمة.
واذا كنا نحترم ونقدر رفض القضاة لهدية البرلمان المثيرة للجدل والمتمثلة في المادة 134 من التعديل الجديد لقانون الاجراءات الجنائية "هدية نصف الكفالة" فاننا نهيب بمصر كلها أن تكفي صندوق الرعاية حاجته بعيدا عن أية شبهات حتي تظل قامة العدالة مرفوعة شامخة. ويظل ثوبها ناصعا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف