عبد الفتاح الجبالى
العمالة غير المنتظمة والحماية الاجتماعية
حسنا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى بدعوته للاهتمام بالعمالة الموسمية وغير المنتظمة والعمل على حمايتها اجتماعيا. وهى مسألة غاية فى الأهمية. ليس فقط لأنها تأتى تنفيذا لاستحقاق دستورى وفقا للمادة 17 التى أشارت الى ضرورة ان تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة. وكذلك المادة 28 التى اشارت الى ضرورة العمل على تنظيم هذا القطاع وترشيده, وإنما أيضا فى ضوء ازدياد دور القطاع غير الرسمى فى سوق العمل المصري. وهنا يشير التوزيع القطاعى للمشتغلين الى ان هناك تراجعا فى نسبة العمالة بالقطاع الحكومى من 22.9% من إجمالى المشتغلين عام 2010 الى 18.7% عام 2016 والى 17.3% خلال الربع الثالث من عام 2017، وبالمثل هناك تراجع طفيف فى العمالة بالقطاع العام والأعمال من 3.2% الي3.4% و3.1% خلال الفترة نفسها، وعلى النقيض من ذلك فقد ارتفع نصيب القطاع الخاص المنظم من 24.5% الى 31.5% و31.6% خلال الفترة نفسها، أما القطاع الخاص غير المنظم فقد تذبذب من 47.2% الى 44.9% و46.5% خلال الفترة نفسها، ولكنه مازال يشكل النسبة الغالبة بسوق العمل ككل وترتفع هذه النسبة بشدة داخل الريف المصرى حيث نلحظ ان 67.4% ممن يعملون فى ريف الوجه القبلى و55.1% ممن يعملون فى ريف الوجه البحرى و61.9% ممن يعملون فى ريف محافظات الحدود يعملون فى هذا القطاع. وهذا القطاع يضم شرائح عريضة من المجتمع المصرى مثل العاملين فى الورش الصغيرة أو الأعمال اليدوية والحرفية أو الذين ليس لهم مكان عمل إلا بالشارع كالباعة الجائلين وعمال التراحيل. وتكمن خطورة هذا الوضع إلى انه قد بدأ يستوعب قطاعات جديدة من الشباب خاصة خريجى الجامعات والمعاهد العليا ليضافوا إلى قوته الأساسية المتمثلة فى المنتقلين من الريف المصرى إلى المدن أو العائدين من الخارج. وبالتالى لم يعد مجرد احتياطى للقطاع المنظم. بل أصبح فاعلا أساسيا بالأسواق. وبمعنى آخر فان هذا القطاع لم يعد يستوعب العمالة الإضافية التى لا تجد مكانا لها بالسوق النظامية كما كان سائدا من قبل. بل أصبحت هذه العمالة تتجه مباشرة إلى هذه السوق وهنا مكمن الخطورة.
ويرتبط بهذه المسألة مدى الاستقرار فى سوق العمل إذ تشير الإحصاءات الى تراجع من يعملون عملا دائما من 77.9% عام 2010 الى 72.5% عام 2016 والى 71.1% خلال الربع الثالث من عام 2017 وفى المقابل ارتفعت نسبة العاملين فى عمل متقطع من 14.9% الى 15.9% و19.5% خلال الفترة نفسها على الترتيب. اما العاملون فى عمل مؤقت فقد ارتفع من 7% الى 7.1% و8.1%.
ونلاحظ أن نحو 89.8% ممن يعملون عملا متقطعا هم فى القطاع غير المنظم والذى يستحوذ أيضا على نحو 86.1% ممن يعملون عملا موسميا. اما العاملون عملا مؤقتا فان 73.4% منهم فى القطاع الخاص المنظم مقابل 15.8% فى القطاع غير المنظم. وتكمن خطورة هذا الوضع ليس فقط فى عدم الاستقرار الداخلى لسوق العمل ولا لصعوبة وضع سياسات محددة من جانب متخذى القرار فى المجتمع. ناهيك عن صعوبة تنظيم الأوضاع بداخل هذه السوق مع ما يتلاءم واحتياجات المجتمع, ولكن أيضا للظروف السيئة التى يعمل فيها هؤلاء، خاصة ان معظمهم يعملون دون عقود رسمية وغير مسجلين لدى التأمينات الاجتماعية. ودليل ذلك أنه وبينما تصل نسبة العاملين بعقد قانونى الى 64.8% من إجمالى العاملين بأجر فى المجتمع ككل خلال الربع الثالث من عام 2017. تصل هذه النسبة إلى 1.6% فقط لدى القطاع الخاص خارج المنشآت. ووصلت نسبة المشتركين بالتأمينات الاجتماعية إلى 60.9% على صعيد المجتمع فإنها تصل الى 9.1% فقط لدى هؤلاء. وكذلك تبلغ نسبة المشتركين فى التأمين الصحى نحو 54.1 % لدى المجتمع ككل ولكنها تهبط الى 1.8 % لدى هذا القطاع. كما أدى التوسع فى هذا القطاع إلى الاعتماد على العمالة متوسطة المهارة بالأساس واشتغال العديد من الافراد فى وظائف ومهن لا علاقة لها بمؤهلاتهم العلمية. بل ويلجأ بعضهم إلى القيام بأعمال هامشية تقع ضمن القطاع غير الرسمي. وهى أمور تؤثر فى النسيج الاجتماعى للوطن والعملية التنموية ككل.
لهذه الأسباب وغيرها كانت هناك محاولات لإدخال هذه الشرائح ضمن منظومة التأمينات الاجتماعية، وعلى الرغم من أن الأصل فى أنظمة التأمين الاجتماعى أنها مموله باشتراكات. الا أنه وعلى خلاف ذلك صدر القانون رقم 112 لسنة 1975 بكفالة معاش السادات لمن لا معاش له وبلغ سن الخامسة والستين، ثم حل محله القانون رقم 112 لسنة 1980 والخاص بالتأمين الاجتماعى الشامل على العمالة غير المنتظمة. والذى تضمنت الفقرة الخامسة منه ما اصطلح على تسميته «معاش السادات» والذى مد الحماية التأمينية لكل من بلغ سن الخامسة والستين أو وقعت وفاته أو ثبت عجزه بالكامل ولم يستحق معاشا وفقا لقوانين التأمين الاجتماعى الأخرى قبل أول يوليو 1980. وكان يخضع لأحكامه 16 فئة من فئات القوى العاملة وعلى رأسهم عمال الزراعة العاملون لحساب الغير وأصحاب الحيازات الزراعية التى تقل عن 10 أفدنة. وعمال التراحيل وعمال الصيد. والباعة الجائلون وغيرهم. وذلك قبل تعديله وإخراج العديد من الفئات منه ويقوم تمويل هذا النظام على اساس مشاركة رمزية من المؤمن عليه. وكان أخر هذه المحاولات ما جاء به القانون 135 لسنة 2010. قبل إلغائه. والذى أفرد بابا كاملا لهذه العمالة ووضع بنودا جديدة لتحفيزها على الاشتراك فى النظام وذلك بتغطية خطرى العجز والوفاة إلى جانب الشيخوخة، الأمر الذى كان يمثل حافزا إيجابيا للاشتراك فى النظام، حيث يضمن حماية الاسرة بعد رحيل عائلها أو فى حالة عجزه، وهو ما يمكن البناء عليه فى مشروع قانون التأمينات الجديد المزمع التقدم به الى البرلمان خلال الدورة الحالية.
وبالتالى فإن العمل على ضمان حصول الأفراد على حقوقهم التأمينية يصبح واجبا وطنيا ينبغى أن تنشغل به مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية بعيدا عن صراعاتها الأيديولوجية. وهنا يجب أن يتم الإصلاح فى سياق إصلاح هيكلى بما يضمن إعادة التوازن المالي. ويسمح بفك التشابكات المالية. والسير بالنظام قدما على طريق الإصلاح المنشود.