الجمهورية
صلاح عطية
جيش صاحب تاريخ يمتد لآلاف السنين
لي ذكريات عديدة عن الفترة التي تولي فيها الراحل الكريم حلمي سلام رئاسة مجلس إدارة "دار التحرير" ورئاسة تحرير "الجمهورية" ايضا في الفترة من 30 يوليو 1964 حتي 20 مايو 1965.. وقد بدأت هذه المرحلة برفع أسماء جميع رؤساء التحرير من "الجمهورية" وكانوا أربعة علي رأسهم د. طه حسين ثم كمال الدين الحناوي وناصر النشاشيبي وإبراهيم نوار.. ولدي ما أستطيع أن أقوله عن كل واحد منهم.. ولكن أول ما أحزنني في ذلك الوقت هو حذف اسم د. طه حسين من قائمة رؤساء التحرير.. بل إلغاء القائمة كلها والاكتفاء بحلمي سلام.. وكانت لدي علاقة سابقة بالاستاذ حلمي سلام حينما كان رئيساً لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون.. حيث استعان بي لكتابة بعض موضوعات في هذه المجلة في إطار خطة لتطويرها.. واستعان فيها ببعض العاملين من خارجها وكنت أحد من اختارهم.. ولذلك عندما جاء إلي "الجمهورية" استبشرت خيراً.. بالنسبة لي.. ولكن ذلك لم يحدث.. وحدث العكس تماماً.. والذكريات حول هذا كله عديدة.. وسيأتي وقت أتناول الكثير عنها.. المهم أن حلمي سلام أعفي فجأة من رئاسته للجمهورية ومجلس الإدارة.. وعرفنا بعد ذلك أن السبب نشره لمحضر جلسة سرية لمجلس الأمة في ذلك الوقت.. والتفاصيل حول ذلك كثيرة.. وقد سجل حلمي سلام شيئاً من ذلك في كتاب قامت بإعداده ابنته الدكتورة آمال تحت عنوان "عبدالناصر وثورة يوليو في ميزان التاريخ".. ولم يتح لي بعد أن أقتني هذا الكتاب.. ولكن قرأت ما كتبته عنه الأستاذة القديرة سناء البيسي.. وفيما جاء في هذا الكتاب ما ذكره حلمي سلام.. وكان وثيق الصلة إلي درجة كبيرة بالرئيس عبدالناصر ورجال ثورة يوليو.. عندما اقترح أحد ضباط الثورة إزالة تماثيل أسرة محمد علي.. واستوضحه عبدالناصر ماذا يقصد بهذه التماثيل. فأشار ذلك الضابط إلي تمثال إبراهيم باشا - في ميدان الأوبرا بالقاهرة - فكان تقريع عبدالناصر له مستنكراً هذا القول.. ومتهماً له بأنه لم يقرأ التاريخ.. لأنه لو كان قد قرأه لعرف أن كل أمجاد الجيش المصري الحديث مرتبطة بإبراهيم باشا.. فكيف تطلب إزالة تمثاله؟
أعادتني هذه الكلمات إلي الانتصار الساحق للجيش المصري علي الجيش العثماني في معركة قونية في 21 ديسمبر 1832.. أي منذ مائة وخمسة وثمانين عاماً.. وقونية مدينة تركية تشتهر بالسياحة الدينية حيث يتواجد فيها مقام "مولانا جلال الرومي".. ولكنها دخلت التاريخ المصري.. والتاريخ التركي بنصر وهزيمة.. هي في التاريخ المصري نصر مؤزر للجيش المصري علي الجيش التركي الذي احتشد بكل قواه لكي يصد جيش مصر عن الزحف إلي عاصمة الخلافة.. إلي الاستانة ولكنه مني بهزيمة منكرة.. أصبحت إحدي الهزائم البارزة في تاريخ العثمانيين.. والتي بدأ بعدها إبراهيم يستعد للتقدم إلي الاستانة أو استنبول فيما بعد.. وظل منتظراً أن يأذن له محمد علي بالزحف علي تلك المدينة وعزل السلطان.. ولكن محمد علي ظل متردداً فترة ثم استجاب لطلب ابنه وأذن له بذلك.. وتطورت الأمور بعد ذلك إلي منحي آخر.. بعد أن رأت أوروبا أن معركة قونية.. وانتصار الجيش المصري فيها يضعها أمام خيارات صعبة فيما يتعلق بالتوازن الأمني الأوروبي.. وأنه لا قبل للسلطان العثماني بتشكيل جيش جديد يهزم به جيش مصر.. وبذلك أصبح مستقبل الدولة العثمانية أمراً مشكوكاً فيه.. فكان التدخل الأوروبي الذي وضع حلولاً تحمي الدولة العثمانية - إلي حين - وتعطي بعض الميزات إلي محمد علي.. ولكنها كانت بداية للحد من طموحاته.
معارك الجيش المصري مع الأتراك.. أو بالأصح ساكني آسيا الصغري - تركيا الآن - من الحيثيين القادمين من وسط آسيا إلي الأناضول يذكرها التاريخ.. ومعها انتصار رمسيس الثاني في معركة قادش.. وهي المعركة التي سجلها بكل تفاصيلها علي جدران معبده في أبوسمبل.. وقد استمرت حروب رمسيس مع الحيثيين 16 عاماً.. وكانت معاهدة السلام بين رمسيس والحيثيين في قادش واحدة من أشهر معاهدات السلام في التاريخ القديم.. وقد تزوج رمسيس أميرة حيثية بعد هذه المعاهدة.. واقترن بعد سنوات بأميرة حيثية أخري.
وجيش مصر يخوض الآن واحدة من أهم معاركه علي الإطلاق.. معركة تأمين الوطن ضد الإرهاب.. والقضاء علي الإرهاب الأسود.. وتركيا للأسف أحد مموليه.. كأنه استمرار لحروبنا مع تركيا عبر التاريخ.
هذا الإرهاب الذي يحاول اختطاف الوطن.. يخوض جيش مصر الباسل الحرب ضده.. ووراءه تاريخ حافل ومشرف.. فهو أقدم جيوش العالم.. هو جيش صاحب تاريخ يعود إلي آلاف السنين.. معاركه الحربية يذكرها التاريخ.. وتدرس الخطط الحربية التي استخدمها قادته من ملوك مصر القدماء في الأكاديميات العسكرية العالمية.
والجيش المصري صاحب هذا التاريخ يضيف الآن إلي تاريخه في سيناء صفحات أخري بيضاء.. في تطهير أرض الوطن. من دنس الإرهاب الأسود.. وفي القضاء علي كل خطر يهدد الوطن علي امتداد حدوده شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. ندعو الله سبحانه وتعالي أن يحفظ أبناء جيشنا وينصرهم علي العدو الغادر وكل من وراءه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف