مؤمن الهباء
شهادة إنهم يقتلون الشعر !!
تلقيت رسالة قيمة من الشاعر الطبيب الدكتور عبدالحميد محمود تعليقا علي ماورد في مقالي المنشور بهذه الزاوية أمس الأول ـ الاثنين ـ تحت عنوان " أين ذهب الأدب ؟ " والذي ركزت فيه علي مسئولية الشعراء والأدباء والكتاب عن إفساد الذائقة الأدبية للجمهور وصرف الناس عن القراءة وعن احترام الكلمة وصناعة الأدب باسم الحداثة والتجريب .
يقول الصديق الشاعر الدكتور عبدالحميد محمود في رسالته :
دخل الشعر العربي في معاناة شديدة منذ ظهرت موجة الشعر الحر التي واجهها العقاد وحيدا فانتصرت علي ضعفها. وفرضت نفسها علي الذوق العام مستخدمة الإعلام بكل فروعه. وتبناها التيار اليساري المستشري في الوسائل الإعلامية. وأدي هذا التحول إلي نتيجتين. الأولي إيجابية حيث دفعت الشعراء الذين يمتلكون ناصية الشعر العمودي إلي إطلاق موهبتهم في الاتجاه الجديد فكتبوا شعرا جميلا يجمع بين الأصالة والحداثة. لكن هؤلاء كانوا قلة. أما النتيجة الثانية فكانت تلك الحرب الشرسة التي تعرض لها هؤلاء الشعراء من جانب الكثرة المتشاعرة التي كونت " شللا " تمكنت من وسائل النشر والإعلام. ونجحت في تغييب وإخفاء نغم الشاعر الحق. خاصة بعد أن ذهب الكبار أمثال توفيق الحكيم وصالح جودت وثروت أباظة .
ومعلوم بالفطرة أن الشاعر المتفرد هو دولة وحده وليس شلة. فالمتنبي كان أمة في الشعر وحده. وكذلك شوقي. وصولا إلي علي محمود طه وإبراهيم ناجي ونزار قباني. كل واحد منهم كان أمة شعرية متفردة. لكن الشلة جمعت حولها نقادها ومذيعيها وصحفييها الذين يرفعون هذا ويخفضون ذاك علي قدر قربه أو بعده من " الشلة ". فخيم علي الساحة فقر شديد في الشعر. وفي النثر الذي أرادوا أن يجعلوه شعرا. ونشطت حركات ممنهجة لقتل الشعر العربي الأصيل. حتي وصل الأمر بشاعر عربي ذائع الصيت "فقط" ويقبل أيادي الدنيا من أجل جائزة نوبل إلي أن يصدر كتابا جمع فيه مثلثات ومربعات مرسومة وأسماه ديوانا من الشعر. وبالطبع تلقفته أيادي الجهلاء المتشاعرين بالحفاوة المعهودة لأنه جعل الشعر لعبة سهلة لأمثالهم من معدومي الموهبة وقليلي العلم والثقافة .
ومن الطبيعي في زمن الانحطاط أن يجهل المسئولون في المؤسسات الثقافية موسيقي الشعر وعروضه .ويعتبرونها طلاسم قديمة لاداعي لها. ومن هؤلاء المسئولين من يعهد إليه برئاسة لجان الشعر وتقييم الشعراء. وبالتالي امتلأت الساحة بمن يكتبون كلاما رديئا يسمونه شعرا وهو يفتقر إلي أدني مواصفات الشعر. ولأنهم يبحثون عن الشهرة بأي طريقة فقد اجترأوا علي الله فيما يكتبون وسخروا من تقاليد شعبهم وتراث أمتهم وادعوا أن هذا هو التجديد المنشود في الشعر لكنهم في الواقع عزلوا أنفسهم عن الجمهور المتلقي وقتلوا الشعر.
ومثلما ذهب الشعر عنا ذهب أيضا الغناء بالعربية الفصحي إلي غير المصريين بعد أن كنا رواده. المطربون المصريون الآن يغنون المهرجانات وتركوا هذا الفن الأصيل لغيرهم. بل إن القصائد العربية المغناة التي كانت تملأ الإذاعة والتليفزيون تم تخزينها في مكتبة التراث .
وانظر إلي ما يحدث في جوائز الشعر المصرية والعربية. كلها تخضع للشللية وليس للإبداع الحقيقي. فهل من هذا الواقع الشعري المرير مخرج ؟ .. وهل يعود لفن العربية الأول في مصر مجده ؟