جمال زهران
الذكرى الستون لتجربة وحدوية عربية: ما العمل؟
تمر الذكرى الستون لميلاد أول تجربة وحدوية عربية اندماجية فى الوطن العربي، بين مصر وسوريا (1958 - 1961م)، فى نفس الوقت الذى يواكب ذلك حدثًا مهما وهو الذكرى المئوية لميلاد الزعيم جمال عبد الناصر، الذى بذل كل الجهد لتجسيد الفكرة الوحدوية فى واقع ملموس. فالحدثان يحملان نفس الفكرة ونفس التجربة. فالعروبة قومية متميزة، لها قواعد وأصول متجذرة، ولها مقومات كبيرة فى أن تتحقق فكرة الوحدة فى دولة عربية على غرار تجارب كثيرة حدثت. فهناك تجربة الولايات المتحدة الأمريكية التى جمعت المتناقضات من كل صوب وحدب، فى أن يعيش المواطنون فيها تحت سقف دولة واحدة كبرى وغيرها من تجارب أخرى فى أوروبا وفى الاتحاد السوفيتى الذى تفكك، وغيرها نجحت. فى ذات الوقت توحدت دول, لعب الاستعمار الأوروبى دورًا فى تفكيكها وتمزيق أوصالها مثلما حدث فى فيتنام التى انقسمت بين فيتنام الشمالية والجنوبية، وعادت لتصبح «فيتنام» جديدة واحدة.
ومن أهم مقومات العروبة اللغة ووحدة الأصول، ومهد الديانات الثلاث، والتاريخ المشترك، فضلاً عن التحديات المشتركة فى مواجهة الاستعمار والكيان الصهيونى المزروع كخنجر فى ظهر العرب حتى لا تقوم لهم قائمة، ولخلق استحالة وحدة هذه الدول المصطنعة استعماريًا
والمسألة كانت شائعة فى مطلع القرن العشرين، وتنامت الأفكار القومية وانتشر الفكر العروبى الوحدوى خلال فترة الحربين العالميتين، الأولى والثانية راح ضحيتها أكثر من 100 مليون نسمة. حيث ارتفعت أصوات المفكرين العروبيين أمثال: ساطع الحصري، وميشيل عفلق وغيرهما، تنادى بضرورة الوحدة العربية بل وحتميتها بحكم عوامل الجغرافيا والتاريخ واللغة والأصل، وغيرها من عوامل. وأن هذه الأفكار تستلزم التحرير من نير الاستعمار، وأن التحرير الكامل لن يتحقق إلا بالوحدة العربية الشاملة وازدادت هذه النبرة من الأفكار بعد الإعلان الرسمى بإنشاء دولة إسرائيل عام 1948م وتولدت حتمية هذه الفكرة العروبية بعد المواجهة العربية الفاشلة فى أول حرب عربية إسرائيلية، كان من نتائجها إضفاء الشرعية القانونية على هذا الكيان الصهيوني. حيث حقق وجود هذا الكيان استحالة تحقيق الوحدة العربية.
لذلك قام عبد الناصر بثورة 23 يوليو 1952، وكانت معركته ليس فى جلاء الإنجليز أو إسقاط الملكية فحسب، ولكن فى تحقيق الاستقلال الوطنى وحرية القرار السياسي، والسعى نحو صياغة شعارات تكشف عن التوجه العروبى الذى تأثر به. حيث صاغ عبد الناصر شعارًا واضحًا هو (حرية - اشتراكية - واحدة)، أى أن تحقيق الوحدة هو نتاج لخلق القاعدة الأساسية الصلبة بتحقيق الحرية ثم الاشتراكية بما تحمله من قيم المساواة وتكافؤ الفرص ووحدة قوة الشعب العاملة ثم يكون ذلك هو الأساس لوحدة عربية شاملة أو تدريجية بين الأقطار التى تنجز ذلك فى الواقع العملي. وقد كان ذلك تصورًا فكريًا سليمًا، تفاديًا لأن تكون الوحدة بين المتناقضات، فتفشل، وهو ما كان يخشاه عبد الناصر حال التسرع، وللأسف وقع بفعل المتآمرين وفشلت تجربة الوحدة بالتآمر عليها، من القوى المضادة للوحدة العربية. إلا أن الواقع العملى شهد محاولة للضغط السورى على استعجال تحقيق الوحدة الاندماجية، وقد قبلها عبد الناصر على مضض، خشية اتهامه بالتناقض أو التهرب من ترجمة أفكاره، أو بعدم العروبة الحقة. حيث كان هناك فى المقابل من حزب البعث فكرة تبدأ بالوحدة فالاشتراكية فالحرية، وهى على عكس فكر ثورة يوليو، الذى كان يرى ضرورة خلق القاعدة الضامنة لتحقيق وحدة حقيقية ناجحة، ويستحيل تفكيكها، وهى التى تمهد لاقتلاع إسرائيل من المنطقة وتحقيق الانطلاقة الحقيقية نحو تقدم الأمة العربية. ولذلك جسد عبد الناصر، إرادة الشعبين العربيين فى سوريا وفى مصر بتحقيق الجمهورية العربية المتحدة، وأصبح حاكمًا للبلدين. إلا أن التجربة للأسف آلت إلى الفشل، لكن الفكرة مازالت حية. وكان الدرس هو أن الشعوب العربية تواقة للوحدة الحقيقية، وأن الشعوب التى تتكلم بلسان واحد وتاريخ مشترك وأصول واحدة، لديها الإرادة الحقيقية فى تجسيد حلم الوحدة. ولكن ظلت العوامل السياسية حائلاً.
وقد تأتى الظروف وإن طالت بميلاد مشروع وحدوى كبير بعد أن يستوعب الجميع أهمية الوحدة العربية وحتميتها فى تحقيق التقدم والاستقرار الحقيقي، والتحرر من نير الاستعمار الذى لايزال رابضا فى المنطقة يحول دون تحقيق ذلك. ولايزال الصراع دائرًا بين مشروعى زالوحدة والتقسيمس إلى أن يتحقق الانتصار الحاسم لمشروع الوحدة أراه قريبًا. فالشعوب العربية تواقة للوحدة. تلك هى الرسالة التى تفرض علينا العمل الجاد فى الذكرى الستين لتجربة وحدودية عربية هى الجمهورية العربية المتحدة، والشعور بالتحدي، بالإصرار على نشر الوعى بفكرة العروبة والمقاومة والوحدة العربية، بين الأجيال المتلاحقة وفى جميع ربوع الوطن العربى.