في مثل هذا اليوم من ستين عاما . 22 فبراير 1958 . أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا . واندمج الشعبان والدولتان في دولة واحدة اسمها " الجمهورية العربية المتحدة " برئاسة جمال عبدالناصر . وتشكلت لها حكومة واحدة وبرلمان واحد تحت علم واحد وقانون واحد . لكن هذه التجربة المتفردة لم تصمد طويلا . إذ سرعان ما وقع الانفصال في 28 سبتمبر 1961 بانقلاب عسكري في سوريا . وبذلك تكون دولة الوحدة قد استمرت ثلاث سنوات وسبعة شهور وحوالي ستة أيام لا أكثر .
وفي كل عام حين تأتي ذكري الوحدة نحن إليها وإلي زمانها . ويحلو لنا الحديث عنها بإيجابياتها وسلبياتها حتي نستخلص منها العبر لزماننا هذا الذي تغيرت فيه ثوابت وقناعات كثيرة . وأصبحنا في حاجة إلي أن نذكر أنفسنا بما كنا عليه في الماضي لننظر ما سنكون عليه في المستقبل .
كنا في زمن يتكلم ليل نهار عن القومية العربية والوحدة العربية والأمة الواحدة التي مزقها الاستعمار إلي دول صغيرة . وصنع لها حدودا تمنع شعوبها من التلاقي والتضامن والتعاون . كان حلمنا الكبير أن تعود هذه الدول لتجتمع في كيان واحد قوي عملاق يستطيع الوقوف في وجه الأعداء ويحرر فلسطين المغتصبة . ولذلك عندما أعلنت دولة الوحدة كانت رقابنا تكاد تطاول السماء . أما الآن فمنتهي أمل كل دولة وكل شعب أن يحافظ علي وحدته الوطنية الداخلية . وألا تتمزق أراضيه وتتعرض للتقسيم والانفصال .
وهكذا تتضاءل أحلامنا وتتراجع . صارت لدينا القابلية والجاهزية لجولة ثانية من سايكس/بيكو . تقسم المقسم وتمزق الممزق . وتحول الدول إلي دويلات أكثر ضعفا وفقرا وجهلا . لم تعد الحدود المصطنعة وحدها التي تفصل بيننا . وإنما سقطنا في صراعات المذاهب والطوائف والجماعات والتيارات . وراح بعضنا يقتل بعضا لأتفه الأسباب . وأصبحت " الوحدة " مفردة سيئة السمعة غير مسموح بتداولها .
الغريب أن هذا يحدث في الوقت الذي تتجه فيه الدول الكبري إلي الترابط والتلاحم وخلق كيانات وحدوية ناجحة وكبيرة . اقتصادية وسياسية . وعندما تسأل لماذا نجحوا ولماذا فشلت تجربتنا القديمة في " دولة الوحدة " تأتيك الإجابة الصريحة بأن عبد الناصر أراد أن يفرض علي السوريين ما فرضه علي المصريين من قرارات شمولية تعصف بالحريات وتصادر الممتلكات ولكن الشعب السوري لم يستطع عليها صبرا . لم تبدأ التجربة بما يطمئن الناس علي يومهم ومستقبلهم ويوفر لهم أسباب الراحة والسعادة والأمن وإنما بدأت بتأميم المصانع والشركات الكبري والبنوك وحل الأحزاب وتعطيل الحياة السياسية وفرض التنظيم السياسي الواحد " الاتحاد الاشتراكي " وهيمنة الأجهزة الأمنية وفتح المعتقلات للمعارضين . لذلك تهيأت الأرض بسرعة للانقلاب العسكري المدعوم من قوي خارجية كانت تتربص بدولة الوحدة وتعرف أنها أكبر خطر علي مصالحها .
يقول الأستاذ نبيل زكي القيادي البارز في حزب التجمع في مقاله بـ "الأخبار" الاثنين الماضي إن عبدالناصر اعترف بأخطائه في تجربة الوحدة وقال عبارته المهمة : "يجب علينا أن نكون قادرين دائما علي الاعتراف بأخطائنا" . وبعد الانقلاب بعشرة أيام كتب محمد حسنين هيكل : "كنت في كثير من الأحيان أشعر بالخطر الذي لابد أن تواجهه تجربة الوحدة من جراء ارتكازها علي شخصية البطل".