الأخبار
محمد حسن البنا
قيام الليل
عندما هاجر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة، اجتمع بالناس، حيث روي الصحابي عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: أول ما قدم رسول الله - صلّي الله عليه وسلّم - المدينة، انجفل النّاس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأمّلت وجهه، واستبنته، عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، قال: فكان أوّل ما سمعت من كلامه أن قال: »أيّها النّاس أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام»‬، ما قاله الرسول منهاج للحياة الطيبة بين البشر، ومصداق لقوله سبحانه وتعالي في سورة الإسراء الآية 79: »‬وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا».
لهذا فإن فضل صلاة الليل كبير، فما هو لغز صلاة الثلث الأخير من الليل؟ الصلاة المكتوبة نداؤها بصوت البشر، وصلاة الثلث الآخر من الليل نداؤها من رب البشر، الصلاة المكتوبة يسمع نداءها كل البشر، وصلاة الثلث الأخير يستشعر نداءها بعض البشر، الصلاة المكتوبة نداؤها: (حي علي الصلاة، حي علي الفلاح)، وصلاة الثلث الآخر من الليل نداؤها: (هل من سائلٍ فأعطيه..)، الصلاة المكتوبة يُؤديها أغلبُ المسلمين؛ بينما صلاة الثلث الآخر يُؤديها من اصطفاهم الله من المؤمنين، الصلاة المكتوبة ربما يصليها البعض رياءً، بينما صلاة الليل لا يُصليها أحدٌ إلا خُفيةً خالصةً لله، الصلاة المكتوبة يمتزج في أدائها التفكير بمشاغل الدنيا ووساوس الشيطان؛ بينما صلاة الثلث الأخير هي انقطاعٌ عن الدنيا وبناءٌ للدار الآخرة، الدعاء في الصلاة المكتوبة ربما يُجاب؛ بينما صلاة الثلث الأخير من الليل وعد الله عباده بالإجابة (هل من سائل فأعطيه؟).
ألا تري أن صلاة الثلث الأخير من الليل لا يوفق للقيام بها إلا من أراد الله له أن يأنس بالحديث معه وسماع همومه وشكواه؛ فهنيئاً لمن دعاه رب العزة والجلال للجلوس بين يديه وسماع حديثه والتلذذ بمناجاته.
دعاء: اللهم اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف