علم القرآن أشرف العلوم، والاشتغال به طريق الصالحين، ورُتبة الأنبياء. وفي محاولاتي لحفظ أكبر قدر من آياته، كنت أبحث عن أيسر طريقة لحفظه، فأستشعر لذة لا تدانيها لذة، وأنا أستودع قلبي كل آية، بينما أرى أئمة مساجد يخطئون في قراءته بالصلوات المفروضة، نتيجة "حفظهم" إياه بدون فهم، ولا حضور قلب.
اهتممت بتتبع تلك الظاهرة، حتى وقع ناظري على كتاب أستاذ علوم القرآن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور خالد بن عبدالكريم اللاحم، بعنوان: "قراءة بقلب.. قلب النجاح في الحياة"، فوجدته قد عالج تلك المسألة، وقدم حلا مفيدا لمشكلة حفظ القرآن ثم نسيانه، فأحببت أن أنقل مقتطفات منه، كي تعم الفائدة.
لا يبالغ الكاتب إذ يقول إن "القراءة بقلب" من المهارات الضرورية للنجاح في الحياة، وليس في التعامل مع القرآن الكريم فقط، موضحا أنها القراءة النقية من أي هواجس، بحيث يتحقق الربط التام بين القلب والعين واللسان في خلال القراءة.
أما الهدف من "القراءة بقلب" فهو منع أي وساوس أو أفكار أو خواطر غير ما يقرؤه اللسان أو العين، وهذا يحتاج إلى مجاهدة ويقظة وانتباه، إذ إنه لدى حدوث أي غفلة أو سهو.. يدخل الشيطان في القلب، ويقوم بعزله عن اللسان أو العين، ويغمره بخواطر ووساوس دخيلة، يجب جهاد الشيطان بالتصدي لها.
ويربي التدريب على "القراءة بقلب" في الإنسان ملكة ضبط الخواطر، والسلوك. يقول ابن القيم: "من استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات". (الجواب الكافي).
وهنا يرجع المؤلف سبب ضعف الإرادة والسلوك في المطلق إلى ضعف القلب؛ أي أنه لا يوجد قلب يَعْقِلُ، أما سبب ضعف القلب فهو أن قدرته على التركيز والانتباه متدنِّية، أو أن مخزونه من الكلمات الحية اللازمة لإدارة الحياة قليل.
وقد فاوت الله تعالى بين خلقه في نصيب كل منهم من القُوَى الأربع للقلب؛ وهي: قوة الحفظ: أي التخزين وتثبيت الكلمات أو الصور فيه. وقوة التذكُّر: أي الاسترجاع واستعادة ما تم تخزينه. وقوة التركيز التي تعني حضور القلب. وقوة الذكاء بما يعني الفهم، والاستنباط، والاستنتاج، وفهم الروابط بين الأمور كافةً.
والواقع أنه من استطاع السيطرة على قلبه، وإدارة أفكاره وخواطره، يمكنه التحكُّم بجوارحه: لسانه، عينه، يده، رجله.. وأهم من ذلك مشاعرُ قلبه التي تنتج بسبب الكلمات التي تدور فيه.
وتتحقق حياة القلب بأمرين: الأول: القراءة، والثاني: بقلب. الأول تحققه مفاتيح الإنجاز، والثاني تحققه مفاتيح التدبر، فكثرة القراءة بلا قلب لا حياة، بل موت محقق، وكلما كانت "القراءة بقلب" أكثر كانت الحياة أكبر.
ويمكن اختبار قوة "القراءة بقلب" للقرآن الكريم، وغيره، بقياس مدى التحكم بالخواطر، وحجم القدرة على منع أي خواطر مزعجة حال القراءة.
ولتحقيق ذلك يُفضل أن يبتعد الإنسان حال القراءة عن أي مصادر تشويش، وأن تكون حالته النفسية مواتية.
والنتيجة؟
ساقها ثابت البناني بقوله: "كابدت القرآن عشرين سنة، ثم تنعمت به عشرين سنة".
أما مفاتيح ووسائل "القراءة بقلب للقرآن الكريم"، فنتناولها في مقال الأسبوع المقبل بمشيئة الله.