الأهرام
أسامة الألفى
الشوارع ليست أسماء ولكنها تاريخ
استوقفنى قرار محافظة القاهرة بتغيير مسمى «شارع سليم الأول» بالزيتون، بدعوى أن السلطان التركى سليم الأول محتل أجنبي، قتل سلطان مصر قنصوه الغورى تحت سنابك الخيل، وشنق خلفه طومان باى على باب زويلة، وأمعن القتل فى المصريين.

استوقفنى القرار بعدما أثار لغطًا ما بين مؤيد له ومعارض، وشخصيًا التأييد أو المعارضة لا تعنيني، فقط أناقش القرار من زاوية منطقية، فالقول إن سليم الأول احتل مصر حقيقة تاريخية لاجدال فيها، كما لا جدال فى المظالم التى ارتكبها، أما القول بإنه قتل سلاطين مصر، فهو يجافى الحقيقة، فالغورى لم يكن مصريًا وكذلك خلفه طومان باي، فمصر كانت محتلة بمماليك ليسوا من أهلها، حكموا لصالح طائفتهم وليس لصالح الشعب المصري، وبهذا فإن سليم الأول باحتلاله مصر لم يفعل إلا أن استبدل باحتلال ظالم احتلالاً أظلم منه، وبالنسبة للمصريين لم يختلف حالهم كثيرًا. إن مظالم الأتراك وتعاليهم على المصريين سجلها المؤرخون، وعبرت عنها أمثال شعبية كثيرة، أشهرها «آخرة خدمة الغز علقة»، والقول على لسان المتسول التركى حين يشحت من مصري: «هات حسنة وأنا سيدك»، وبرغم هذه المظالم إلا أن المنطق يرفض أن يتم فى كل حقبة السير على التاريخ بأستيكة، فالتاريخ وقائع لا ينبغى أن تخضع لأهواء البشر كل حقبة، ويجب التعامل مع الشخصيات التاريخية وفق المنهج العلمى للتاريخ، وقد شاهدت فى العاصمة البريطانية لندن تمثالاً ضخمًا، للسياسى والقائد العسكرى البريطانى أوليفر كرومويل، الذى قاد ثورة على النظام الملكى فى القرن 17م وأعلن قيام الجمهورية، وبرغم انتصار الملكيين وعودة النظام الملكي، إلا أن البريطانيين أقاموا له تمثالاً، باعتباره من صناع التاريخ، مؤكدين بذلك إيمانهم بالحفاظ على حقائق التاريخ وعدم المساس بها. إن أسماء الأعلام حين تطلق على الشوارع والأحياء تترسخ فى أذهان الناس، فلا أزال وجيلى ومن سبقنا نسمى شارع 26 يوليو «شارع فؤاد»، وشارع مصر والسودان «شارع الملك»، برغم تغيير مسماهما منذ أكثر من 6 عقود، ولا أرى جدوى من تغيير اسم «شارع سليم الأول»، فهذا لا يغير حقائق التاريخ، لكنه يفتح بابًا لتغيير مسميات لشوارع وأحياء تاريخية مثل «قمبيز» نسبة للغازى الفارسي، و»الغورية» نسبة للسلطان الغوري، و»شارع عبد العزيز» نسبة للسلطان التركى عبد العزيز، و»الحلمية» نسبة للخديو عباس حلمى الأول، وأيضًا أحياء الإسكندرية سموحة، جناكليس، ستانلي، وجليم، وغيرها وكلها أسماء يهود أو استعماريين. نحن لسنا فى حاجة إلى تغيير مسميات الشوارع بقدر حاجتنا إلى وضع آلية وضوابط لما يستجد من مسميات حديثة، والتى غلبت عليها المجاملات. إن الشوارع ليست مجرد أسماء ولكنها تاريخ وحكايات، فلا تظلموا التاريخ.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف