السيد العزاوى
كمل طريقك وعدي واوعي توقف خسارة راح يجي وعدك ووعدي ما دام ملكنا الجسارة
الدين الإسلامي الحنيف يحرص دائماً علي إرساء المجتمع علي قواعد راسخة تقوي بنيانه وتدفع الطمأنينة في قلوب أتباعه من أهل الإسلام.. من بين هذه القيم الخالدة ضرورة أن يتأكد كل مسلم من أي خبر وحقيقته وكل ما يحيط به من ملابسات قبل الإقدام علي إعلانه وسط أبناء مجتمعه. وإذ أن إعلان أي خبر أو أي أمر دون التأكد منه قد يؤدي إلي إثارة البلبلة والكثير من التكهنات واللغط الذي تلوكه الألسنة. دون فائدة تعود علي المجتمع وقد نبَّه القرآن الكريم إلي هذه الحقائق وتلك القاعدة التي تدعم الترابط وتأخذ بيد المسلمين إلي الطريق بعيداً عن الشائعات واطلاق الأقاويل دون سند أو دليل لما ينطوي علي ذلك من أخطار تدل إلي زعزعة الاستقرار وفتح مجال لأصحاب الهوي والأغراض ولابد من الالتزام بهذه القاعدة الأساسية حرصاً علي سلامة الأمة وحمايتها من تحركات قد تترتب علي أقاويل تعتمد علي الظن فقط مما يدخلها في معارك ووقائع هي في غني عنها. المسلم الحصيف لابد أن يتأكد من كل كلمة يقولها أو خبر يذيعه التزاماً بقيم الدين الحنيف الخالدة.
وقد أرسي الإسلام هذه القواعد الراسخة منذ فجر الإسلام ودعوته قبل أربعة عشر قرناً من الزمان. وجاءت آيات القرآن الكريم لتضع هذه القيم أمام العالم أجمع مؤكدة أن المجتمع المسلم يعتمد علي الحقائق الثابتة ولا مكان للشائعات أو الأقاويل بين أتباعه. يقول ربنا سبحانه وتعالي في سورة الحجرات: "يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين. واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون. فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم" 6 ــ 8 الحجرات. تلك الضوابط الثابتة هي القاعدة الأساسية الراسخة التي تقوي أواصر المجتمع المسلم وتحمي في ذات الوقت بنيانه من أي مخاطر أو تداعيات قد تزعزع الاستقرار وتؤدي إلي تحركات الأمة علي غني عنها.. وآيات القرآن الكريم تحكي عن وقائع حدثت في صدر المجتمع المسلم رغم أن رسول الله سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم بينهم. لكن حمي الله بفضله المسلمين من تلك التداعيات والتحركات التي كادت تحدث في صفوف هذا المجتمع المترابط الذي أرسي دعائمه سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وهذه الحقائق تعرضها آيات الكتاب العظيم ليكون كل علي حذر قبل أن يقضوه بأي كلمة أو يعلن أي خبر دون التأكد من حقيقته وكل ما يحيط به من أي ملابسات.
وفي رواية ابن جرير عن أم مسلمة رضي الله عنها ما يؤكد تلك القواعد الثابتة إذ تقول أم مسلمة: بعث رسول الله رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت: فرجع إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم. فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمون. قالت فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فصفوا له حين صلي الظهر. فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله. بعثت إلينا رجلاً مصدقاً فسررنا بذلك وقرت به أعيننا. ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم. فلم يزالوا يكلمونه حتي جاء بلال رضي الله عنه فأذن لصلاة العصر. قالت: ونزلت الآيات الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" إلي آخر الآية التي ذكرناها من قبل.
هذه الوقائع التي أشارت إليها الآيات الكريمة وما روي عن السيدة أم مسلمة رضي الله عنها تؤكد أن الأمة الإسلامية لابد أن يتحري أبناؤها من حقيقة كل ما يطلقونه أو يعلنون من أخبار حرصاً علي سلامة المجتمع إذ أن المخاطر كادت تحدث بالمجتمع المسلم لكن سرعان ما اتضحت الحقائق ووضحت كل الملابسات إذ أن هؤلاء الذين بعث إليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلاً ليجمع منهم الزكاة وحين علموا بقدومه خرجوا لاستقباله لكنه عاد وأبلغ الرسول صلي الله عليه وسلم أن القوم يريدون قتله دون تثبت وتأكد من الحقيقة مما أثار غضب رسول الله صلي الله عليه وسلم. كل ذلك يوضح أن الشائعات وإعلان الأخبار دون روية وتأكد يؤدي إلي إثارة البلبلة وزعزعة الاستقرار كما حدث في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ومما يزيد الأمر وضوحاً أكثر أن الأمة الإسلامية قد عانت في سابق عهدها وفي زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم من تلك الأقاويل بلا سند أو تأكد من الحقائق قبل إعلانه وحذر الحق تبارك وتعالي من تلك الشائعات متوعداً مطلقها بالعقاب الأليم فقال: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 20 النور فعلي كل مسلم أن يدرك هذه الحقائق وليكن الصدق والتثبت من القواعد التي يلتزم المسلم بها في حياته. هدانا الله جميعاً سواء السبيل.