رغم عنف المشادة الكلامية التي وقعت في مؤتمر ميونخ الدولي للأمن بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلا أن معظم المراقبين يستبعدون تطور الأمر إلي حرب حقيقية بين إسرائيل وإيران في الوقت الراهن لأسباب عديدة أهمها توازن القوي بين الطرفين . وعدم رغبة القوتين العظميين ـ أمريكا وروسيا ـ في مواجهة عسكرية غير مضمونة العواقب ولا يمكن السيطرة عليها . والتعقيدات المتوالية في المشهد السوري التي جعلت الحسم مستحيلا لأي طرف من الأطراف المتورطة .
ويبدو أن الوزير الإيراني ظريف كان مقتنعا باستحالة الحرب حاليا ولذلك جاء تعليقه علي تهديدات نتنياهو لبلاده مقتضبا . مكتفيا بأنها "هزلية لا تستحق الرد عليها" . أما في إسرائيل فهناك دوائر سياسية وعسكرية تتحدث عن مواجهة عسكرية وشيكة مع إيران في أواخر أبريل أو أوائل مايو القادمين اعتمادا علي تطورات متوقعة علي الساحة السورية .
وقد شهد فبراير الحالي أول مواجهة مباشرة بين البلدين عندما قالت اسرائيل إنها أسقطت طائرة إيرانية بدون طيار كانت تحلق فوق أراضي الجولان المحتل. وردت الدفاعات السورية بإسقاط طائرة إسرائيلية لأول مرة منذ 1982. وهو الحادث الذي تصر إسرائيل علي إلصاقه بإيران . ولا تريد أن تصدق أن الدفاعات السورية تجرؤ علي هذه الخطوة .
وتؤكد الدوائر الإسرائيلية أن المواجهة القادمة مع إيران ستكون في المنطقة الواقعة علي الحدود بين العراق وسوريا. حيث توجد معسكرات لفيالق عراقية شيعية عسكرية تدربها إيران وتسلحها روسيا منذ عدة أشهر تمهيدا لانتقالها من العراق إلي سوريا لخلق نوع من التوازن المسلح أمام ما يعرف بقوة حرس الحدود الكردية التي تمدها أمريكا بدعم عسكري ولوجستي في شمال شرق سوريا . وتعتبر إسرائيل أن دخول القوات الإيرانية إلي سوريا مؤشر علي انضمامها لاحقا إلي قوات حزب الله في الجنوب اللبناني . وهو الأمر الذي تشتعل علي خلفيته المواجهة المرتقبة مع إيران .
ومن المتوقع ـ حسب التقديرات الإسرائيلية ـ أن تتحرك القوات العراقية من جنوب العراق إلي غربه صوب الحدود السورية اواخر أبريل أو أوائل مايو القادمين تحت غطاء من الطائرات الإيرانية . الروسية الصنع. وسيكون هذا هو التوقيت والمكان المناسبين للضربة الإسرائيلية حتي تدور المعركة بعيدة عن شمال إسرائيل المستهدف في أية حرب قادمة .
ويؤكد مؤيدو هذا السيناريو أن يكون رئيس الوزراء نتنياهو متحمسا لخوض الحرب بالنظر إلي فشله الداخلي والاتهامات الي تلاحقه من كل اتجاه . وحاجته إلي مغامرة عسكرية خارجية كبيرة تجمع الإسرائيليين حوله وتطيل عمره في السلطة . ولم تعد الضربات الموجهة لغرة تصلح لهذا الدور .
وقد بدأت حكومة نتنياهو التمهيد لهذا السيناريو بتهديدها الدائم لإيران . وتحذيرها من أنها لن تسمح بتكرار تجربة حزب الله في سوريا . ولن تقبل بوجود قوات إيرانية علي حدودها الشمالية .
ومع ذلك فالمؤكد أن القرار الإسرائيلي بخصوص المواجهة العسكرية المرتقبة مع إيران لن يكون سهلا . وسيبقي مرتبطا ـ قطعا ـ بطبيعة العلاقات الأمريكية الروسية بصفة عامة . وعلاقاتهما في سوريا بصفة خاصة . وهي علاقات تزداد سوءا وتدهورا مع مرور الأيام .
فالحرب إذن ليست مستبعدة . وعلينا أن نفكر نحن ـ كعرب ومسلمين ـ ماذا سنفعل إذا انطلقت الشرارة . ماذا سنقول وماذا سيكون موقفنا. علينا أن نفكر ونستعد من الآن حتي لا نفاجأ ونرتبك .