جمال سلطان
الخوف من وجود "اجوان" أخرى لا يعرفها الشعب
أعضاء تكتل 25/30 في البرلمان المصري قالوا أنهم لا يعرفون أي شيء عن صفقة الغاز التي تم توقيعها مع "إسرائيل" ، وأن هذه الاتفاقية لم تعرض على البرلمان ، وأنهم علموا بها من الصحف والإعلام ومواقع الانترنت ، وأنهم فوجئوا بها مثلما فوجئ المواطن العادي بعد أن أعلن عنها رئيس وزراء العدو في احتفال كبير واعتبرها عيدا لبلده وأنه سيستثمرها في دعم قطاعات الصحة والتعليم ورفاهية المواطن الإسرائيلي .
إخفاء الحكومة المصرية لتلك الصفقة وتفاصيلها حتى فوجئ بها المصريون من إعلام العدو وأعلن عنها رئيس وزرائه ، جعل هناك المزيد من الخوف والقلق من أن تكون هناك أسرار أخرى لم تكشف بعد ، وأنه قد يفاجئهم "نتانياهو" بأخبارها في المقبل من الأيام ، إن أفلت من تهمة الفساد التي تلاحقه حاليا ، وبعد وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي لما جرى بأنها "جون" أحرزناه ، أصبحت الناس تتساءل : يا ترى هل ما زال هناك "اجوان" أخرى أحرزناها ولم نعرف بأخبارها بعد ؟ .
والغريب أنه بعد الكشف عن الصفقة ، والضجة التي صاحبتها ، اكتفت الدولة بالكلمات الموجزة التي قالها الرئيس والفرحة بأننا أحرزنا "جون" ، ويبدو أنه بعد ذلك لا داعي لكي يناقش البرلمان هذه الاتفاقية وأبعادها وانعكاسها على الاقتصاد الوطني وعلى الأمن القومي وعلى مصالح المواطنين الذين يفترض أنهم ينوبون عنهم للدفاع عن مصالحهم ، وللتأكد من أن الحكومة مارست الشفافية ولم تخالف القانون عندما وافقت على تلك الاتفاقية ، بحكم أن البرلمان عندما اخترعوه في العالم كانت وظيفته الأساسية ممارسة الرقابة والتشريع ، لم يحدث شيء من هذا ، يمر الأمر مرور الكرام ، رغم أن تلك الاتفاقية من الخطورة إلى الحد الذي يصفها وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز بأنها أكثر الصفقات التصديرية أهمية مع مصر منذ أن وقع البلدان معاهدة السلام التاريخية في عام 1979 ، كما علق عليها رئيس الوزراء "نتانياهو" بأنها ستعزز اقتصاد "إسرائيل" وتقوي من الروابط الإقليمية ، أي أننا لسنا أمام تاجر استورد فوانيس رمضان مثلا ، وإنما أمام اتفاقية دولية كبيرة وخطيرة وبالغة التأثير .
أعضاء بالبرلمان تساءلوا عن طبيعة الشركة الخاصة التي قيل أنها وقعت تلك الاتفاقية ، وليس الحكومة المصرية ، وعن طبيعة نشاط هذه الشركة ، خاصة وأنها غير معروفة ولم يسبق أن خاضت صفقات بهذا الحجم ولا نصفه ، ولا يعرف الناس عنها حتى اسمها "دولفينوس" إلا بعد النشر عن الصفقة ، وتساءلوا عن مالكها ، وهل له شركاء ، وهل الشركاء أجانب أم جميعهم مصريون ، وتساءلوا عما تردد عن صلة ذلك بإحدى الشركات التي عملت في بورسعيد في التسعينات الماضية ، وعن طريقها وقع اختراق الجاسوس "عزام عزام" قبل أن يتم اكتشافه من قبل جهات الأمن ، وهي كلها أخبار متداولة على نطاق واسع بين الناس ، وهل هذه الشركة لها سوابق العمل في قطاع الطاقة ، والغاز تحديدا ، وكيف جرت عملية التواصل بينها وبين الجانب الإسرائيلي ، وهل كانت الأجهزة المصرية تحاط علما بهذه الصلات وتلك المفاوضات ، كل هذه أسئلة تحتاج إلى التوضيح للرأي العام لإزالة اللبس ، وطمأنة الناس .
وإذا كانت المسألة مسألة مرور الغاز فقط عبر مصر إلى أوربا بعد تسييله ، فعلى أي أساس تقوم الشركة المصرية بشرائه وتلتزم بدفع خمسة عشر مليار دولار لإسرائيل ، لماذا لا يكون الاتفاق على خدمة تسييل الغاز ودفع ايجار الخدمة للجانب المصري ، والمشتري الأوربي هو الذي يدفع الثمن ، ولماذا تضع الحكومة المصرية وسيطا بينها وبين الجانب الإسرائيلي ويحصل على أموال طائلة بلا معنى طالما أن الأمر مجرد جسر لأوربا ، لماذا لا يكون الاتفاق مباشرا طالما أن الحكومة هي التي تملك البنية الأساسية لمصانع التسييل ، وما هي الحقوق التي ستحصل عليها الخزانة العامة المصرية من وراء ذلك ، لقد عرفنا ـ من رئيس وزراء إسرائيل ـ أنهم سيحصلون على خمسة عشر مليار دولار ، فهل يمكن أن نعرف نحن الذين أحرزنا "الجون" ما هو المبلغ الذي سيدخل الخزينة المصرية .
هناك بلاغ تم تقديمه إلى النائب العام للطعن على هذه الصفقة ، وأعتقد أن قضايا أخرى ستتجه إلى القضاء الإداري لإبطالها ، ومن حسن حظ الشعب المصري أن التشريع الذي وضعه "ترزية" مبارك في آخر عهده لمنع الطعن على العقود التي تكون الحكومة طرفا فيها بأي شكل من الأشكال لم يمر ، وبالتالي ، فأملنا الآن في المواجهة القضائية ، لكي نعرف أصل الحكاية وفصلها .