رجائى عطية
مدارات - ليس من الإسلام قتل الأبرياء
ما يحدث من الدواعش وغيرهم من الجماعات الإرهابية، من إيذاء وعصف بالأقباط في أعيادهم وفي كنائسهم وفي سعيهم إليها، ومن قتل للمسلمين في مساجدهم وفي ربوع الوادي، جريمة نكراء يدينها الإسلام ويشجبها ولا يقرها، ويعتبرها خروجًا عن الدين وما أمر به القرآن الحكيم ..
القرآن الحكيم
القرآن الحكيم هوالذي علمنا تقديس الروح الإنسانية .. في المسلم وفي غير المسلم .. فالكرامة وقداسة الروح هي لكل بني الإنسان .. ففي القرآن المجيد : » وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » (الإسراء 70) .. سبحانه وتعالي هوالذي » خَلَقَ الإنسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ » (الرحمن 3،4).. سبحانه خلق الإنسان فَسَوَّاه وعدله، وهوسبحانه القائل :» وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ » (الروم 20) .. ويقول جل شأنه : » اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ » (الروم 40) ..
هذه الأرواح خلقها الله، وأمْرها له سبحانه وتعالي، وروح الواحد هي روح الناس جميعا، وفي القرآن الحكيم يقول رب العزة : » أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا » (المائدة 32) .
فهذه الحياة هبة ربانية مقدسة، لكل إنسان المسلم وغير المسلم، بل وفي الحيوان .. وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث رسول القرآن عليه الصلاة والسلام : » ليس من نفسٍ تُقتل ظلما ـ إلاّ كان علي ابن آدم الأول ( قابيل ) كفل من دمها، أنه أول من سـن القتل . »، وفي الحـديث أيضًا :» لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل نفس بغير حـق » . » وأن قتل النفس التي حرم الله ـ من السبع الموبقات » !
يعلمنا الإسلام
يعلمنا الإسلام، الذي قدس الروح الإنسانية، أن قتل الأبرياء من أشد الموبقات، جزاؤه جهنم وغضب الله ولعنته، وما أعده للقاتل من عذاب أليم (النساء 93)، وعلمنا أن المسئولية في الدنيا وفي الآخرة لا تلحق بأحد إلاّ عن فعله هولا عن فعل أوعمل غيره .. لا مجال في شرعة الإسلام لأن يتحمل أحد أويُحمل بوزر أوخطيئة غيره حتي لوكان من أقرب ذوي قرباه .. ففي القرآن الحكيم : » وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا » (الإسراء 13)، وفيه أيضًا :» وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا » (مريم 95) .. من مبادئ المسئولية في شرعة القرآن الحكيم أن لا تزر وازرة وزر أخري، فيقول الحكم العدل : » وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي » (الأنعام 164، فاطر 18)، وفي سورة النجم، قال عز من قائل : » أَلاّ تـَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي * وَأَن لَّيْسَ للإنسَانِ إِلاّ مَا سَعَي » (النجم 38، 39) .. وقال عز وجل : » فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ »(الزلزلة 7، 8).. لا يعرف الإسلام عقوبة تصيب بريئًا، ولا شهادة تجامل قريبًا، أوشنآنًا يبرر تحاملاً .. فإنصاف الشانئ نفسه واجب، ولا يسقط شنآنه واجب العدل والتزام الحق معه، بل يجب علي المسلم أن يعدل معه في كل الأحوال، » يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » (المائدة 8) .
فالله سبحانه وتعالي : » هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ » (الصف 9)، وهوسبحانه الذي أمر رسوله بأن يبلغ الناس رسالة ربه بأنه عز وجل » يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » (النحل 90)، وأنه تعالت حكمته : لا يقبل الظلم لأحد، مسلما كان أوغير مسلم، ويقول في كتابه المبين : » وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ » (غافر 31) .
الإثم الكبير
الذين حصدوا يحصدون أرواح الإخوة الأقباط والمسلمين، يرتكبون إثما كبيرًا تشجبه وتدينه شريعة الإسلام، ويخرج عن مبادئ وأحكام وعقيدة هذا الدين الذي كرم الروح ورعاها في كل مخلوق حتي في عالم الطير والحيوان .. وفي الحديث الشريف : » من قتل عصفورًا عبثًا عج إلي الله يوم القيامة يقول : يا رب، إن فلانًا قتلني عبثًا » !!
إن قتل الأبرياء بغير حق، لا يتفق والدين .. والذين يغتالون الأرواح البريئة للمسلمين والأقباط، ويدمون الثكالي والأرامل وييتمون الأطفال، في ضلال بعيد، لم ينجزوا بجرائمهم النكراء عملاً، ولا أقروا عدلاً، ولا حققوا غايةً يقرها العقل والعقلاء !!
أصلنا جميعًا واحد
القرآن المجيد هوالذي قال : » وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ » (هود 118) .. وفي القرآن دلالة علي الأصل الواحد لجميع الأديان، يقول الحق جل وعلا : » قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَي وَعِيسَي وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (البقرة 136) .. والقرآن الحكيم هوالذي جرت آياته علي ما يحفظ العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، فقال تعالت حكمته : » الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (المائدة 5)..
أباح الإسلام للمسلم طعام أهل الكتاب وأن يتزوج منهم وأن تبقي الزوجة علي دينها ويبقي هوعلي دينه، لها كل ما للزوجة المسلمة من حقوق سواء بسواء .. ولم يتحدث كتاب عن السيد المسيح عليه السلام بمثل الحديث البليغ الرائع الذي ورد في القرآن : » إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ » (آل عمران 45،46).. والقرآن المجيد هوالذي خص النصاري بإشارة خاصة لما بينهم وبين الإسلام والمسلمين من مودة ورحمة فقال تبارك وتعالي : » وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَي ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَي الرَّسُولِ تَرَي أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ » (المائدة 82،83) .
الإسلام هوالسلام
الإسلام منحوت اسمه من لفظ السلام، وتحيته هي السلام، والسلام مهجة وروح الإسلام، تحية الله للمؤمنين تحية سلام :» تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا » (الأحزاب 44)، ومستقر الصالحين ـ دار أمن وسلام : » وَاللّهُ يَدْعُوإِلَي دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (يونس 25) .. » لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ » (الأنعام 127) .. والأمن والأمان هما غاية الإسلام .
من أميز ما في الإسلام، أن جميع المبادئ والأحكام التي قررها تصب في آليات تحقيق الأمن والأمان المجتمعي التي يحرص عليها الإسلام، لأمان الإنسان ـ كل إنسان ـ علي روحه ونفسه وعرضه وماله، فهذا الأمان هومهجة وعمود وغاية كل المبادئ والقواعد والأحكام الإسلامية .. وليس أجزي للإنسان، وأمان مجتمعه، من دين يطوي الناس جميعا في أسرة إنسانية واحدة ينعم فيها الكل بالأمان، ولا تفاضل فيما بين أفرادها إلاّ بالتقوي والعمل الصالح .. وصدق تبارك وتعالي إذ قال في كتابه المبين : » يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » (الحجرات 13) .