الأهرام
محمد الرميحى
هل نحن بصدد أزمة حكم ديمقراطى!
فى الأشهر الأخيرة أعاد الاعلام الأمريكى والسينما على وجه الخصوص، قصة (ووترجيت) المشهورة والتى هى باختصار محاولة إدارة السيد ريتشارد نيكسون، الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة وهو يستعد لإعادة انتخابه عام 1972، معرفة ما يدور فى المعسكر الديمقراطى الذى كان مرشحه جورج مكفرلين، فقام بعض مساعديه باستئجار رجال للسطو على مقر الحزب الديمقراطى فى بناية فى واشنطن مشهورة اسمها ووترجيت ووضع أجهزة تنصت، وقد تتابعت الأحداث حتى اضطر نيكسون إلى أن يستقيل عام 1974 بعد ان أخذ وعدا من نائبه جيرار فورد بأن يحصل على (عفو) عن الجريمة التى كان وراءها. منذ ذلك التاريخ أصبحت ووترجيت علامة على الفضائح التى يمكن ان ترتكب من خلال التعامل السياسى الامريكى أو الديمقراطيات الغربية. فى الأشهر الأخيرة حصل فيض من إنتاج الأفلام التى تذكر بتلك الفضيحة منها فيلم (البوست)، التى لعبت دور البطولة فيه الممثلة الأشهر ميريل ستريب، وهو عبارة عن قصة السيدة التى كانت تمتلك جريدة الواشنطن بوست، ونضالها مع العالمين فى الجريدة من أجل متابعة فضيحة أخرى هى (تقرير سري) أمر به وقتها وزير الدفاع الأمريكى السيد روبرت ماكنمارا، إحدى المؤسسات البحثية الأمريكية الأكاديمية، وكان التقرير يدين الحرب فى فيتنام، ولكنه كان من أسرار الدولة، فكشفته البوست أمام ضغوط هائلة من إدارة نيكسون ألا تفعل ذلك، إلى درجة رفع دعاوى حكومية ضدها، كان يمكن أن تودى بصاحبة الصحيفة إلى السجن، إلا أن المحكمة العليا حكمت لها بأغلبية بسيطة، بأن النشر كان يخدم المصالح العليا للوطن، وجاء فى الحكم أن الصحافة موجودة لخدمة المحكوم، وليس لخدمة الحاكم. إذا يتبين أن الديمقراطية الغربية ليست أمراة قيصر! فلها جوانب مظلمة، لخصها أحد السياسيين الغربيين بقوله: »فى الديمقراطية الغربية، يمكن أن تغش أو تسرق، ولكن احذر ان يراك احد«!. المعنى واضح، أنك تستطيع أن تفعل ما تريد، ولكن إن عرف أحد بذلك أو سرب أحدهم من خاصتك شيئا، فأنت بالتأكيد على طريق الخروج من اللعبة وربما السجن!

ما نشاهده اليوم من صراع فى الساحة السياسية الامريكية بالذات ان البعض يحاول اثبات القيام بالخطيئة على دونالد ترامب، والمحاولة المضادة من الإدارة الحالية لنفى أى شبهات، سواء فى موضوع العلاقة بالروس أو أية ملفات ذات شبهات. بعض المراقبين يرون أن الموضوع مجرد وقت لا غير، لأن الاعلام الأمريكى يهيج بشدة على ترامب وإدارته تقريبا يوميا، وهو لا يشكك فى أن له رأيا سلبيا جدا فى الاعلام، وهو الرئيس الوحيد الذى يدافع عن نفسه مباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعى (تويتر) على الأخص، بل يضع الأجندة للحديث فى الإعلام بسبب عمله السابق فى ذلك المجال.

المعركة سوف تبقى معنا لأشهر قادمة، وفى ونفس الوقت سوف تؤثر على السياسة الخارجية الامريكية بشدة فى منطقتنا، إلا أن المؤكد من جانب المتابع فى الشرق الأوسط، أنه ليس هناك نظام سياسى مثالى . المعروف لدى دارسى علم الاجتماع السياسى، ان هناك ظاهرة اسمها ظاهرة الحكم ما بعد الاستعمار أى ان دولا فى العالم استقلت من الحكم الاستعمارى، وبدأت فى حكم نفسها، وكان المظهر الأكثر وضوحا ان تلك الدول اصبح لها نظام حكم من خلال صناديق الانتخاب ولكنه ظاهرى، كما انها ابتليت بالفساد، فجمعت الاثنين معا، صناديق انتخاب وفساد! المثال الأخير لتأكيد تلك النظرية ما حدث فى جنوب افريقيا مؤخرا، حيث ازيح رجل صاحب الرجل الأسطورة نلسون منديلا بسبب اتهام بالفساد!. اذا كان الأمر كذلك، فإن التنمية المرجوة فى العالم الثالث على الأقل هى ان يتصدى للحكم رجال بعيدون عن الفساد، وقادرون على رفع مجتمعهم اقتصاديا واجتماعيا إلى وضع أفضل، المثال المتاح هنا هو التجربة الصينية، فهى حكم الحزب الواحد، ولكن المحارب بقسوة للفساد فى جميع مظاهره وأشكاله. وباتت كتابات كثيرة اليوم، حتى فى الغرب، تشيد بالتجربة الصينية، بل تتصور تلك الكتابات ان الصين سوف تقود العالم اقتصاديا فى سنوات قليلة مقبلة. اذا كان الاستنتاج صحيحا، فهو يقول إنه ليس بالضرورة أن يخرج لنا صندوق الانتخاب رجالا أو قوى سياسية قادرة على خدمة أوطانها، فحتى التجربة الغربية، كما نرى ونشاهد تنحرف بشدة الى اخراج (طبقة سياسية) فاقدة للكثير من الأهداف الأخلاقية وغارقة فى الكذب وتابعة، كما فى بعض بلدان أوروبا، إلى اكثر المشاعر المعادية للإنسانية، كما يفعل وينادى بعض قادة اليمين الأوروبى الجديد اليوم. فوق ذلك فإن صناديق الانتخاب قد تأخذ البلاد إلى طريق مسدود، اذ التجربة الديمقراطية فى مطلقها الغربى، وفى تقليدها الشرقى توضع اليوم أمام اختبار، حرى بنا فى العالم العربى أن نطرح ذلك للنقاش الجاد!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف