المصرى اليوم
محمد كمال
الخجل من مصلحة مصر
مَن تُتاح له فرصة قراءة كتاب عن نظريات العلاقات الدولية سوف يجد أن مفهوم المصلحة الوطنية أو National Interest يقع فى قلب هذه النظريات، خاصة النظرية الواقعية، التى تنظر للعالم كما هو وليس كما ينبغى أن يكون. المفهوم يعنى ببساطة أن مصلحة الدولة وشعبها يجب أن تحتل الأولوية فى السياسة الخارجية، وضرورة أن يأتى ذلك قبل أى اعتبار آخر يتعلق بروابط تاريخية أو أيديولوجية أو عاطفية أو دينية، وستجد العبارة الشهيرة التالية تتردد كثيراً: «فى العلاقات الدولية لا يوجد أصدقاء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة». فى هذا الإطار، كثيراً ما أسال الطلاب الذين يدرسون هذه النظريات عن تفضيلهم بين القومية العربية والأممية الإسلامية والمصلحة الوطنية كأولوية لحركة السياسة المصرية، وكثيراً ما تأتى الإجابة- التى تقترب من الإجماع- لمصلحة الوطنية المصرية.

لماذا نشعر إذن أن هذا المفهوم مازال ضعيفاً فى خطابنا السياسى، ويكاد يكون غائباً لدى قطاع كبير من نخبتنا الإعلامية والثقافية، وأن بعض هذه النخبة يشعر بخجل عظيم، أو يبدو فى حالة ارتباك ودفاع عن النفس عندما يستدعى مفهوم المصلحة المصرية لشرح أو تفسير أحد قرارات السياسة الخارجية.

أحد أسباب ذلك يعود إلى التكوين الفكرى لبعض أعضاء النخبة المدنية، التى صهرت مفهوم المصلحة المصرية فى مفهوم المصلحة العربية والقومية العربية، رغم أن غالبية الدول العربية- وربما منذ هزيمة يونيو 1967- أصبحت تضع مصالحها «القطرية» أو «الإقليمية»، أى النطاق الجغرافى الضيق المحيط بها، فى المقدمة. سبب آخر يتعلق بالتشويه الذى حل بمفهوم المصلحة المصرية على يد المنتمين لتيار الإسلام السياسى، والذين أنكر بعضهم مفهوم الوطن وما يرتبط به من مصلحة، واستبدلوه بمفهوم الأمة الإسلامية ومصلحتها.

علينا ألا نخجل من تبنِّى مفهوم المصلحة الوطنية أو «مصر أولاً»، فهذا منطق الأمور فى العلاقات بين الدول، كبيرها وصغيرها. وتبنِّى هذا المفهوم لا يعنى بالضرورة التخلى عن العديد من توجهات سياستنا الخارجية. على سبيل المثال، القرار المصرى الأخير المتعلق باستيراد الغاز من إسرائيل، والذى نبع من مفهوم المصلحة الوطنية فى بعدها الاقتصادى. هذا القرار لا يعنى تخلى مصر عن موقفها وجهودها المتعلقة بإنشاء دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس. نفس منطق المصلحة الوطنية هو الذى يفسر علاقتنا مع حماس من المقاطعة إلى الحوار، ويفسر جوانب كثيرة من علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نفس المبدأ الذى حتّم علينا تطوير علاقات مع دول كبرى أخرى مثل روسيا والصين.

المصلحة الوطنية ليست بالضرورة مباراة صفرية تكسب فيها مصر ويخسر الآخرون أو العكس، فهناك دائماً مساحة من المصالح مشتركة بين الدول يمكن فى إطارها الحديث عن مباراة إيجابية يستفيد منها الجميع، ويسعى كل طرف لتعظيم مصالحه فى إطارها.

خلاصة القول: مصر هى أقدم دولة بالمنطقة، وفكرة الوطنية المصرية هى التى حافظت على استمرارية هذه الدولة، وربما تكون هى الفكرة الوحيدة التى استطاعت مواجهة فكرة الإسلام السياسى، كما شهدنا فى 30 يونيو 2013. فى هذا الإطار، علينا إحياء مفهوم المصلحة الوطنية المصرية، وتضمينه بشكل واضح فى الخطاب السياسى، والحديث عنه بقوة وثقة، وأن نقوم بتثقيف الرأى العام بشأنه، وهو فى ظنى أمر يسير، لأن هذا المفهوم مازال كامناً فى عقول وقلوب غالبية المصريين، رغم محاولات التشويه التى لحقت به على يد بعض عناصر النخبة التى تنكر أو تجهل هذا المفهوم، أو تشعر بالخجل عند اضطرارها لاستدعائه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف