المساء
مؤمن الهباء
هدنة رمضان
لم أصدق عيني حين مررت علي العنوان في "الجمهورية".. فركت عيني وأعدت قراءته.. العنوان العريض يقول "قوة إسلامية للإشراف علي هدنة رمضان في اليمن".. انشرح صدري وأحسست بنسمة باردة تسري علي وجهي.. أعدت القراءة مرة أخري.. ثم انطلقت إلي التفاصيل التي تقول إن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ناقشوا في اجتماعهم بالرياض مقترحا لتشكيل قوة إسلامية للإشراف علي تنفيذ هدنة إنسانية خلال شهر رمضان في اليمن تضمن عدم تكرار الخروقات التي ارتكبها الحوثيون خلال هدنة الأيام الخمسة الأخيرة.
يا إلهي..!!.. هل هذا معقول؟!.. ماذا حدث؟!.. هدنة إنسانية خلال شهر رمضان بلا حرب ولا دم ولا تدمير..!.. هل وصلنا فجأة إلي هذا النضج وإلي هذه الدرجة من الإنسانية؟!
إذن.. نحن بإمكاننا أن نتحدث عن هدنة مثل كل العقلاء في العالم.. وأن نعطي أنفسنا فرصة لالتقاط الأنفاس.. وإعادة التفكير فيما نحن فيه.. وبإمكاننا أن نتحدث عن الإنسانية مثل كل البشر الأسوياء.. مع أن المعروف عنا أننا قوم حرب إلي النهاية.. خاصة مع إخوتنا وأهلنا وبني جلدتنا.. إذا اشتعلت الحرب لا نتراجع ولا نتفاوض ولا نتفاهم ولا نتنازل ولا نقبل الوساطة والهدنة.. نحن نعتبر هذه المفردات دليل ضعف.. يمكن أن نسمعها من الخواجات.. أما نحن فلا وألف لا.
أغمض عيني برهة.. وأتخيل أن كل الأطراف المتحاربة والمتصارعة في عالمنا العربي والإسلامي اتخذت قرار الهدنة في رمضان.. لا شك أن العالم سوف يستريح من أخبارنا المؤلمة خلال هذا الشهر الفضيل.. وسوف يتأكد أننا فعلاً نوقر شهرنا.. ونزكي صومنا بالامتناع عن إراقة الدماء.. وهل هناك دماء تراق رخيصة الآن علي ظهر هذا الكوكب إلا دماء العرب والمسلمين؟!
لكن.. إذا عرض الخليجيون الهدنة هل سيوافق الحوثيون.. وهل سيلتزم الإنقلابيون؟!.. وهل يمكن أن يسمح لنا أمراء الحرب في اليمن وفي سوريا والعراق وليبيا بأن نفرح بهدنة في رمضان؟!.. هل يمكن أن تهدأ حروبنا وصراعاتنا خلال الشهر الفضيل حتي يتفرغ الناس للصوم والعبادة؟!.. هل يمكن أن تحقن الدماء ويتوقف مشروع الخراب والدمار في رمضان؟!
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في واحدة من فيوضاته الربانية إن الله جعل لنا مواسم للهدوء والمراجعة تأتي بقرار منه جل شأنه كي تتوقف الحروب ويشعر الناس بالأمن والسلام وتنقضي الخصومات.. هذه المواسم الربانية فرصة لالتقاط الأنفاس حتي نفكر في الحب قبل أن نفكر في الكراهية.. وعندنا رمضان موسم للسلام والأشهر الحرم والعيدان والمولد النبوي وغير ذلك من المناسبات الدينية التي يشعر الناس خلالها أنهم قريبون من ربهم.
ليت الزعماء والقادة والسياسيين والعسكريين يعطون أنفسهم فرصة لحل الأزمات بالطرق السلمية.. وكفانا قتلي ومصابين.. كفانا إرهاباً وسجوناً واعتقالات وصراعات.. اعطوا فرصة لرمضان.. اعطوا فرصة لكلمة طيبة.. اعطونا هدنة من الحزن والأسي علي من استشهد ومن أصيب ومن اعتقل ومن عذب.
اعطونا فرصة للأمان يا أمة الإسلام.
***
وبمناسبة هدنة رمضان استميحكم عذراً أعزائي القراء في هدنة وإجازة خلال الشهر الكريم ونلتقي بعد عيد الفطر إن شاء الله وكأن في العمر بقية.
رمضان كريم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف