عندما يثير العمل الدرامى جدلا ما، فهو إما نجح نجاحا باهرا، أو أنه يقدم شيئا مبتزلا رديئا، فيطالب البعض بمنعه، لكن مسلسل سابع جار الذى أثار الجدل مؤخرا، رغم أنه يحتوى على حكايات غير عادية للفتيات والشباب، إلا أنه فى إعتقادى، يعتبر مرآة كبيرة، أظلت مجتمعنا، فجعلتنا ننظر فيها جميعا، لنرى ماذا يحدث داخل كثير من البيوت المصرية، بشكل كاشف، دون أدنى مجاملة، أو تجميل.
كل نماذج المسلسل موجودة حولنا، الكثير منا يعيش غريبا داخل بيته، وبين أفراد اسرته، جميعنا نهرب من اقاربنا الذين لا يشبهوننا، إلى أصدقائنا الذين يستوعبوننا.
البنات لا تتزوج، الشباب مرعوبون من فكرة الزواج، وخائفون من مسئولياته، وكثير من المتزوجين يؤجلون الإنجاب لأجل غير مسمى.
والأكثر غرابة فى مجتمعنا على الإطلاق، هو أن المتزوج لايحب زوجته، ولا يتزوج حبيبته.
المسلسل يكشف لنا كم الأمراض النفسية على منحنى متدرج من البسيطة حتى الأعمق، كأننا ندور حول أنفسنا ونحن نائمون، لا نريد الإفاقة، ولا نعرف الطريق إلى سطح مريح، نلقى عليه إجسادنا المتعبة.
قد نعيش داخل كيانات تركيباتها سليمة، لكنها غير متجانسة، بيوتا تم تكوينها لأن المجتمع يريدها، ويريد أطفالا جديدة كل فترة، لتستمر دورة الحياة، حتى وإن كانت بلا حياة حقيقية، أفرادها سعداء، لا تائهون.
والأفكار الجديدة التى عرضها المسلسل، حول الطريقة "الغريبة" للزواج التى قامت بها إحدى فتيات المسلسل "هالة" ، بأن عرضت الزواج على أحد الرجال، بشكل غير تقليدى، بدون شراء شقة أو أساس، أو أى حقوق مادية تخصها، وتطلق منه بعد حملها، لأنها تخطت سن الخامسة والثلاثين، وتريد فقط أن تكون أما، قبل إنتهاء قدرتها على الحمل والإنجاب، هذه التجربة التى يعرضها المسلسل، ليست مجرد فكرة، أو حدث عابر من أحداثه، لكنها حصيلة تفكير جيل بأكمله من البنات، يعشن بيننا الآن، يسرن بمرارة إلى الأربعين، بعد أن عاصرن جيلا قبلهن ممن خرجن للمعاش، يقبعن فى بيوت الأهل وحيدات.
فالتنازل عن كل تلك الأشياء التى طالما أفسدت زيجات كانت ستكون ناجحة، أو حتى عادية، فى مقابل الحصول على طفل، أو طفلة تزين الحياة القاتمة، ربما سيكون الحل الوحيد للجيل القادم، الذى عانى من تشدد الأهالى فى الزواج، حتى تلاشت حالات الزواج، فى مقابل تفشى حالات الطلاق، حتى فى البيوت القديمة التى لم نكن نتخيل، أن ينفصل طرفاها.
سابع جار، ليس مسلسل، لكنه صراخ مكتوم، يعرضه ابطاله فى هدوء، يهمس فى آذان الجميع، بأن كونوا أكثر صدقا مع أنفسكم، أنتبهوا لأولادكم الأطفال منهم والشباب، لا تعيشوا فى بيوت نمطية، فى حيوات تأكل أعماركم، مجتمعكم مريض بأمراض عديدة، وأول طريق العلاج، هو معرفة المرض، وها هى الأمراض كلها أمامكم مكشوفة.