الوفد
د . ضحى أسامة راغب
المعرفة قوة
هناك قول إنجليزى مأثور أقرب ترجمة له بالعربية هو «المعرفة هى القوة» فما معنى ذلك؟
كل قوة لها مقدار واتجاه، إذ تُعرّف القوة الفيزيائية على أنها كمية متجهة (أى لها مقدار واتجاه)، وهى مؤثر يؤثر على الأجسام فيسبب تغييرًا فى حالة الجسم أو اتجاهه أو موضعه أو حركته. عامة كلما اكتسب شخص معرفة أكثر ازدادت قوته، أى أنّه مع ارتفاع كمية المعرفة تزداد قوة الشخص، أو المجموعة أو المؤسسة. ولكن السؤال الأهم مرتبط بالاتجاه، أى: ما هو اتجاه قوة المعرفة هذه؟ هل تتجه قوة المعرفة هذه للبناء أم للهدم، للخير أم للشر. عند ارتفاع كمية المعرفة الموجّهة قوتها فى اتجاه الخير، نحصل على ربح جزيل للإنسانية جمعاء، ولكن كلما توجهت قوة المعرفة المتزايدة فى اتجاه الشر ففى هذا الطامة الكبرى. وفى القرون الماضية كانت المعرفة تزداد بشكل بطيء، بل بطيء جدًا، ولكن فى عصرنا الحالى تزداد المعرفة بشكل لم يسبق له مثيل، فهى فى تسارع مذهل. وبما أنّ حقيقة تسارع ازدياد المعرفة مذهلة جدًا، فبالتالى قوتها تزداد بشكل عظيم، مما يوجب علينا ضبط اتجاهها كيلا تهدم كل ما بنيناه. إن كانت المعرفة قوة ولها اتجاهات، فالجهل ايضا له قوة مخيفة، ولكنه للأسف الشديد يصب فى اتجاه واحد، وهو الدمار والخراب، الفقر والتعاسة، العنف والحرب، الثقة العمياء بالنفس واحتقار الآخرين، الإيمان الأعمى والانغلاق التام على الآخرين. كما أنّ معرفة الإنسان لا تقاس فقط بالشهادات والتحصيل والنتائج، هكذا أيضًا الجهل، فالجهل هنا ليس عدم معرفة القراءة أو الكتابة وليس ما يسمى بالأمية، بل قد يكون الجهل ويترعرع داخل شخص لديه معرفة كبيرة، أو يتفاقم فى أجواء مجموعة يدعى أفرادها المعرفة، ولكنهم يعيشون فى بيئة مظلمة الفكر، لا تسمح بنور التسامح والمحبة والحوار أن يتسلل إلى زواياها المنتنة، لئلا تتزعزع طمأنينتها الكاذبة، ووحدتها الشرسة الشريرة التى تفنى بحقدها المميت أبرياء كثيرين، إذ تؤمن بأنها موكلة على الحق المطلق أو العقيدة الأصح، وبالتالى تكفّر أو تلغى الآخر، وتضع ذاتها مكان الله لتأخذ حقّه من الآخرين، أو تؤله ذاتها وعقيدتها لتسحق الآخرين بما يتوافق مع ضيق نظرها وفهمها ومحدودية أفقها. المعرفة تعنى القوة، هذه هى الحقيقة التى تغيب عن أذهان العديد من الناس، فمن يمتلك المعرفة هو الذى يهيمن، وكلما امتلكنا معرفة أكبر ازدادت السيطرة، إلى أن نصل إلى المعرفة المطلقة التى لا يمتلكها إلا الله تعالى، والتى لا يمكن لأى مخلوق سواه أن يمتلكها، لهذا السبب نجد أن الله تعالى هو المهيمن على كل شيء، والمسيطر ذو القوة العظيم. ولكن إذا ما نظرنا وسلطنا المجهر على المعرفة النسبية المنتشرة بين البشر، نجد أن الدول العظمى هى دول ذات معرفة أكبر من غيرها من باقى الدول، وإذا ما كبرنا الصورة أكبر ووصلنا إلى المستوى الفردى، نجد أن العلاقة ذاتها هى الحاكمة والمسيطرة على هذه الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف