أعاد فضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام، التذكير بفتوى صادرة عن دار الإفتاء عام 2016، حول أولوية الإنفاق على الفقراء والمكروبين على نافلة الحج والعمرة. أغرانى بقراءة الفتوى كاملة مقال للإعلامى الصديق «حمدى رزق» بجريدة «المصرى اليوم». فى صدر الفتوى الموجودة على موقع دار الإفتاء توجد فقرة تقول: «كفاية الفقراء والمحتاجين وعلاج المرضى وسد ديون الغارمين وغيرها من وجوه تفريج كرب الناس وسد حاجاتهم مقدّمة على نافلة الحج والعمرة بلا خلاف، وأكثر ثواباً منها، وأقرب قبولاً عند الله تعالى، وهذا هو الذى دلّت عليه نصوص الكتاب والسنة، واتّفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتبوعة».
دار الإفتاء هى الجهة المسئولة بالطبع عن حسم هذه الأمور، لكن ثمة أسئلة واستفسارات يثيرها فى الذهن المضمون الذى اشتملت عليه هذه الفتوى. السؤال الأول يتعلق بسياق التذكير بها، الذى جاء متزامناً مع القرار الذى أعلنت عنه اللجنة العليا للحج والعمرة بفرض رسوم 2000 ريال على من سبق وأدى عمرة خلال 3 سنوات مضت، ما دام يرغب فى أداء عمرة جديدة. فالتذكير بالفتوى يأتى وكأنه تبرير للقرار. أفهم أن تتّخذ الحكومة إجراءات تنظيمية معيّنة أو هادفة إلى تعظيم مدخولاتها من المواطنين، لكننى لا أفهم بحال أن تحاول جهة دينية إضفاء صبغة شرعية على قرار حكومى يصح أن يتّفق أو يختلف حوله الناس. والمتأمل للفقرة السابقة من نص الفتوى يجد أن من كتبها يتحدّث وكأنه حاصل على توكيل من السماء يعطيه الحق فى توجيه سلوكيات الناس وتحديد اختياراتهم. ما أدرى دار الإفتاء بأن عملاً معيناً سيكون أكثر ثواباً أو مقبولاً عند الله من غيره؟. يقول الله تعالى «أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا». أستطيع أن أستوعب أن يأتى الأمر على سبيل النصح، لكن أن يأخذ شكل الفتوى الدينية فذلك ما لا أفهمه.
سؤال آخر حول مسألة الإنفاق على الفقراء والمساكين والمحتاجين والغارمين وغيرهم. ظنى أن الله تعالى حدّد للزكاة والصدقات مصارف تغطى احتياجات المستضعفين من الناس. يقول الله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». فالمواطن المقتدر لا بد أن يخرج زكاته على هذه الفئات الثمانية المحددة فى الآية، وقد خرج منها سهم المؤلفة قلوبهم الذى أوقف العمل به الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وظنى أنه إذا أدّى المسلم الزكاة المفروضة عليه فمن حقه أن يوجّه ماله كما يشاء للحج أو للعمرة، مرة أو مرتين أو أكثر، ما دام ينفقه فى حلال. وإذا رأى أن يوجّهها فى مسارات بر أخرى تنفع الفقراء والمحتاجين فهذا شأنه أيضاً، و«الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى».
السؤال الأخير يتعلق بالبناء المنطقى للفتوى، فقد أكدت دار الإفتاء فى فقرتها الأولى أن «تفريج كروب الناس مقدّم على نافلة الحج والعمرة، وهذا هو الذى دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، واتفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتنوعة»، لكننى لم أعثر فى نص الفتوى على آية كريمة واحدة أو حديث نبوى أو قول منسوب إلى مذهب. هل هناك فتوى دون أدلة شرعية؟. ليس من حق أحد أن يُحدّد لغيره كيف ينفق، فكل إنسان حر فى ماله، ما دام ينفقه فى ما أحل الله. القاعدة تقول: من حكم فى ماله فما ظلم!.