هشام مبارك
أبلة فضيلة وأبلة فاهيتا !
كعادتها عندما تحاول التهرب من المذاكرة باغتتني الصغيرة كلمات آخر عنقود البنات - لحين إشعار آخر - بسؤال عويص حيث قالت بعد أن ركنت الكتاب والقلم علي جنب: تسمح يا بابا تقولي بصراحة إيه الفارق بين أيامنا وأيامكم؟ طبعا الإجابة علي هذا السؤال تحتاج إلي وقت طويل ربما يصل إلي أيام فحاولت التلخيص علي طريقة الرجل الذي لخص قصة سيدنا يوسف في عبارة »إنسان فقد طفله ثم وجده» فقلت لها: باختصار شديد الفارق بين أيامنا وأيامكم هو نفس الفارق بين أبلة فضيلة وأبلة فاهيتا، لكن كلمات لم تقنع بهذا الاختصار وإذا بها تدخل الكتاب والقلم في الشنطة وتقول: لا بقي يا بابا حضرتك عايز تكروتني ولا إيه، إحنا مش ورانا حاجة ولو علي المذاكرة لسه الأيام جاية كتير ثم يعني إللي اتعلموا قبلنا عملوا إيه أهم قاعدين في البيوت مستنين العدل، فياريت من فضلك تكلمني بالتفصيل ثم تطلع مين أبلة فضيلة دي، تكونش واحدة قريبتنا إحنا منعرفهاش؟
لم أرد بشكل مباشر وقلت أجرب طريقة جديدة فرحت أغني بصوت مرتفع »ياولاد ياولاد، تعالوا معانا، علشان نسمع أبلة فضيلة، راح تحكيلنا حكاية جميلة، وتسلينا وتهنينيا وتذيع لينا كمان أسامينا، أبلة أبلة فضيلة» فقالت كلمات وهي تضرب كفا بكف: تاني يا بابا أبلة فضيلة؟ طب ممكن توضحلي إيه الحكاية وليه مش عاجباك أبلة فاهيتا ما هي دي أبلة ودي أبلة؟ فقلت بسرعة: لا من فضلك الفارق بين الأبلتين فارق السماء والأرض، أبلة فضيلة دي هي مذيعة الراديو صاحبة الصوت الجميل العذب فضيلة توفيق إللي كنا كل يوم الصبح وإحنا أطفال نستناه يطل علينا بمقدمتها الشهيرة: حبايبي الحلوين. علشان تحكيلنا حكاية جديدة تعلمنا حاجة مفيدة منها اتعلمنا إن الغش حرام والكدب حرام. فقالت كلمات: يا بابا الحاجات دي موضة قديمة أوي فقاطتعها قائلا: الأخلاق مش ممكن تبقي موضة قديمة، ممكن بقي انتي تقوليلي انتي اتعلمتي إيه من أبلة فاهيتا؟ ده أنا باتكسف منها يا شيخة ومن تلميحاتها غير البريئة وعمري ما اقدر أكمل حلقة من حلقاتها. وعلشان كده طلبت من ماما تمنعك انتي واخواتك من الفرجة عليها رغم إني ضد المنع. الفارق يا ستي أهو إن أبلة فضيلة كان بيسمعها الأطفال إللي في سنك وكمان الكبار إللي كانوا في سني لكن إللي زي أبلة فاهيتا ما ينفعش يتفرج عليها الأطفال ولو عايزة الحق ولا الكبار كمان.
أيوه يا بابا بس حضرتك كده بتظلم أيامنا كلها ومتحيز لكل حاجة في أيامكم، هكذا ردت كلمات فقلت منفعلا: علشان كل حاجة في أيامنا كانت أجمل وأروع من أيامكم، لو كنتي شوفتي في فيلم امبراطورية ميم مثلا لما الأولاد والبنات في آخره عرفوا قيمة أمهم إللي ضحت بكل شيء علشانهم في الوقت إللي لسه ماما بتحكيلي علي مسلسل شغال اليومين دول الولاد حطوا السم لامهم في الأكل علشان يوروثوها، شوفي القيم إللي في أغنية ماما زمانها جاية وشوفي اغنية أمي مسافرة وحاعمل حفلة بس يا ريت ما تجيش علي غفلة وحتي الإعلانات أيامنا كانت لها قيمة يا سلام لو كنتي تشوفي إعلانات شهادات الاستثمار وقيمة الإدخار في حياتنا إزاي ولا إجري بسرعة يا واد يا حسين شوفلنا ريري بييجي منين، شوفي اهتمام الأب بتغذية طفله من أول يوم، تخيلي دلوقتي فيه إعلان الأب بيخبي الزبادي من أطفاله علشان ياكلها بعد ما يناموا ولا خدي عندك مثلا... وهنا وقبل أن أكمل كلامي فوجئت بكلمات تسرع لتحضر شنطة المدرسة من جديد وتخرج منها الكتاب والقلم بسرعة فقلت لها: مش تستني لما تسمعي الباقي فقالت: معلش يا بابا نسيت عندي بكرة امتحان ساينس ولازم أذاكر كويس!