لمست الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي العصب الحساس في الشخصية المصرية حين طالبت المجتمع المدني بوقف ظاهرة تكريم وزراء الحكومة . وفاجأت حفل تكريمها في مؤسسة صناع الخير قائلة : "عايزين نبطل موضوع تكريم الوزراء في الحكومة لأن هذا من صميم عملنا . يمكنكم تكريم الفنان لأنه اقتطع جزءا من وقته لكم ولم يحصل علي مقابل مادي . ويمكنكم تكريم شركات القطاع الخاص التي دفعت ضرائبها وتبرعت أيضا للمبادرات التي تخدم المواطنين . لكن بالنسبة لتكريم الوزراء فهذا من صميم عملهم . وأتمني أن يخلو عام 2018 من تكريم المؤسسات للوزراء".
لاشك أن هذه لفتة جيدة وذكية من الوزيرة لوقف مهرجانات النفاق العام من جانب بعض المؤسسات للوزراء تحت اسم التكريم . بهدف فتح قنوات اتصال مع هؤلاء الوزراء للحصول علي تسهيلات معينة . ولا يقتصر أمر التكريم علي المؤسسات وإنما صارت موضة أن يقوم شخص أو مجموعة أشخاص بتأسيس أي كيان وهمي ويضع لنفسه عنوانا ثم يبدأ نشاطه بتكريم الوزراء والمحافظين وأصحاب النفوذ . والمسالة سهلة جدا . لا تتطلب أكثر من مجموعة دروع وتدبيج خطب المديح والتقاط الصور مع المسئولين . ثم يوضع مهرجان النفاق علي رأس انجازات المؤسسة أو الجمعية . وغالبا ما يكون حفل التكريم هو بداية مشوار الفساد مع هذا المسئول أو ذاك .
وقد أحسنت د.غادة صنعا عندما نصحت بأن يكون التكريم للوزير أو المسئول بعد أن يترك منصبه . لأنه في هذه الحالة سيكون نوعا من الوفاء والتقدير . وتنتفي عنه شبهة النفاق والتزلف . لكننا ـ للأسف ـ اعتدنا علي التطرف الشديد في توجيه مشاعرنا نحو المسئولين إلا من رحم ربك . نرفعهم إلي السماء السابعة وهم في المناصب . وننسب إليهم كل فضل حتي وإن كانوا لا يستحقونه. ثم حين يغادرون المناصب نخسف بهم الأرض ونجردهم من كل فضل حتي وإن كانوا يستحقونه عن جدارة .
هل هذا نوع من التعامل العاطفي الطفولي الذي لايقدر علي الوصول إلي نقطة التوازن في تقدير الأشخاص وفق معايير موضوعية تحدد الإيجابيات والسلبيات . وتدرك أننا بشر نخطئ ونصيب ولسنا أنبياء معصومين وأن انجازاتنا كلها نسبية . أم أنه نوع من المرض الاجتماعي الذي تمكن منا لأسباب تاريخية عديدة ؟!
النموذج الصارخ جدا في هذا الصدد هو ما حدث مع الرئيس الأسبق حسني مبارك . الرجل الذي ظللنا لنحو ثلاثين عاما نمجده بما يستحق ومالا يستحق . حتي اختصرنا نصر أكتوبر المجيد في أول طلعة جوية . ولم نعد نذكر في حضرته صاحب قرار الحرب وصانع النصر الرئيس السادات الله يرحمه . وبعد ثورة يناير أنكرنا علي مبارك أي دور له في النصر . وصرنا نتحدث عن دور كل القادة العظام في الحرب ونتجاهله وهو قائد سلاح الطيران الذي جاء ببشائر النصر فعلا .
وفي أول ظهور إعلامي للسيدة سوزان مبارك بعد الثورة . في يناير 2015 . قالت بأسي : "هناك أشخاص كانوا يسبحون بحمدنا ليل نهار وبعد 25 يناير قالوا فينا مالم يقله مالك في الخمر . وهناك من تعمد تشويه صورتي شخصيا وأنا أعلم من وراءه وأقول له حسبي الله ونعم الوكيل".
يجب أن نتخلص من هذه الآفة اللعينة التي تدمر شخصيتنا الوطنية . ونتنبه مثلما تنبهت د. غادة إلي أن حفلات التكريم للوزراء والمسئولين كذب لا معني له . والأفضل تكريمهم بعد أن يتركوا مواقعهم . هذا هو السلوك الحضاري المحترم البعيد عن شبهة النفاق .