خالد جبر
الغاز الطبيعي.. الحلم.. الواقع.. والمستقبل (٢-٣)
تحدثنا في المقال السابق عن مسيرة الغاز الطبيعي في مصر.. التي بدأت كحلم وأصبحت واقعا.. الحلم كان مجرد إنتاج الغاز واستخدامه كوقود لإنتاج الكهرباء وتشغيل السيارات والأجهزة المنزلية.. أو كمادة خام في صناعة البتروكيماويات وصناعات كثيرة متقدمة.
تحقق الحلم.. وأصبح هناك حلم أكبر وهو دخول عالم كبار منتجي ومصدري الغاز في العالم.. والتصدير يتم في صورتين.. الأولي هي تصديره في صورته الغازية من خلال خطوط أنابيب أما الثانية فهي تصديره مسيلا وهو يستلزم وجود محطات إسالة وناقلات خاصة تعبر البحار ثم محطات تحويل الغاز المسيل إلي صورته الغازية مرة أخري.
الصورة الأولي تحققت من خلال خط أنابيب إلي الأردن وفلسطين وإسرائيل.. ولكن هذا الخط تم تفجيره أكثر من ١٢ مرة فتوقف عن العمل وتوقف التصدير وتوقفت الاتفاقية وتسبب كل ذلك في غرامات بمليارات الدولارات بالتحكيم الدولي.. ولم يعد هناك استغلال لهذا الخط البري.
الصورة الثانية تحققت من خلال إنشاء مصنعي إسالة في دمياط وبه وحدتان وفي ادكو وبه وحدة واحدة تكلفا وقتها نحو ستة مليارات دولار مولتهما شركات إيطالية وإسبانية وفرنسية.. وتبلغ قيمتها نحو ثلاثين مليار دولار لو أنشئا اليوم.. ولكن بسبب نقص الإنتاج المحلي للغاز الذي يرجع إلي أسباب عديدة توقف المصنعان عن العمل وفقدنا أساسا صناعيا ضخما يمكن أن يحقق دخلا هائلا للاقتصاد الوطني.
من هنا.. وحتي يتحقق الحلم الأكبر وهو أن تكون مصر مركزا عالميا لتجارة الغاز.. كان لابد من الحصول علي كميات إضافية من الغاز لتشغيل المصنعين وإعادة تصديره مرة أخري وتحصل مصر علي قيمة الإسالة وتتحقق قيمة مضافة من من هذا النشاط الصناعي والتجاري.. وتضع نفسها علي خريطة العالم لتجارة الغاز الطبيعي.
إنتاج مصر من الغاز قبل اكتشاف حقل »ظهر» كان يقترب من خمسة مليارات قدم مكعب سنويا والاستهلاك يتجاوز ستة مليارات وكنا نعوض الفارق بالاستيراد ما كان يكلفنا أكثر من مليار دولار.. حقل ظهر عوض تلك الفجوة.. وفي منتصف العام الحالي سيتحقق الاكتفاء الذاتي.. وفي العام القادم سنتمكن من التصدير من إنتاجنا.. ولكن طاقة مصنعي الإسالة في دمياط وادكو تسمح بالمزيد.. لذلك تعاقدت الدولة علي استيراد الغاز من قبرص.. وأصدرت قانونا يسمح للقطاع الخاص باستيراد الغاز.. وهو ما تم فعلا بين شركة مصرية خاصة وشركة إسرائيلية منتجة من حقلين إسرائيليين بالبحر المتوسط ( تمارا.. ولفاثيان ) وهو ما يمثل خطوة اقتصادية مهمة تساهم في أن تكون مصر واحدة من أهم مراكز تجارة الغاز في العالم.
وبصرف النظر عن البعد السياسي في الموضوع.. فان البعد الاقتصادي يكسب.. لأن دولة مثل تركيا تسعي ومازالت لتكون هي المستوردة.. وهي تري نجاح شركة مصرية في هذا الاتفاق ضربة قوية لها.. لهذا حاولت استعراض عضلاتها بتحريك وحدات بحرية تجاه حقول شرق المتوسط.. لكن القوات البحرية المصرية أظهرت لها أنيابها الشرسة فتراجعت علي الفور.
ومع كل ذلك فإن اتفاقية استيراد شركة مصرية خاصة للغاز الإسرائيلي.. كما قال وزير البترول المصري لابد أن يخضع للشروط المصرية وإلا تعتبر كأن لم تكن.. والشرطان الأساسيان هما أن تكون هناك قيمة مضافة للاقتصاد الوطني أي تحقق مصر عائدا مجزيا منها.. والشرط الثاني هو تسوية قضايا التحكيم الدولي التي صدر فيها أحكام أولية ضد مصر.
القضية واضحة.. مصر حققت الاكتفاء الذاتي.. ولا تحتاج إلي الغاز الإسرائيلي أو غيره.. طاقات مصانع التسييل المتوقفة في حاجة إلي العمل ودخولها إلي الإنتاج سيحقق لمصر المليارات وسيشغل الآلاف.. تحول مصر إلي مركز عالمي لتجارة الغاز يجعلها في مصاف الدول المتقدمة.. وجود مصر القوية في المنطقة يقضي علي أطماع العثمانيين الجدد وأذنابهم من الإخوان المجرمين.
كل تلك الأمور.. هي تفاصيل الهجمة المنظمة التي أحرزت مصر منها » الجول » الذي وصفه الرئيس.