عائشة عبد الغفار
رهان أنجيلا ميركل الأخير!
ان حفاظ مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركيل على منصبها الرفيع للمرة الرابعة فتح جدلا كبيرا فى الآونة الأخيرة فى أوروبا.. والسؤال هو ما الثمن؟
ان الائتلاف كان مخرجا ضروريا بسبب تقدم اليمين المتطرف والخوف من انتخابات جديدة, ان الاتفاق بين الخاسرين لا يأتى إلا بخسارة باستثناء جمهورية ألمانيا الاتحادية التى تعتبر قوة المعارضة الرئيسية.. إن الخاسرين هم الناخبون الألمان الذين راهنوا على التغيير, وأحزاب الائتلاف التى حصلت على أسوأ النتائج منذ 1949 وحزب الاتحاد المسيحى الذى تمت التضحية به من أجل بقاء أنجيلا ميركل كمستشارة أى رئيس للحكومة الألمانية، والاتحاد الاشتراكى المسيحى «ببافاريا» الذى اكتسح فى الداخل وانما يقف فى وجه المدفع بالنسبة لإدارة مشكلة المهاجرين مكبلا باتفاقية الحكومة والحزب الاشتراكى الألمانى الذى يحتكر الوزارات الرئيسية وأصبحت الآن تجسد الشلل السياسى الذى يتناقض مع هويتها الاقتصادية كما وصفها الخبير الأوروبى «نيكولاس بافريز» ولاشك آن المعجزة الاقتصادية الألمانية التى ولدت بفضل أجندة 2010 مستمرة حيث ان النمو الاقتصادى وصل إلى 2.2% عام 2017 كما آن المكانة المالية لفرانكفورت مؤهلة لتأخذ نصيب الأسد من خلال عودة تمركزها فى المؤسسات المالية داخل القارة الأوروبية عقب البريكسيت، إلى جانب انخفاض نسبة البطالة إلى 3.6% من خلال إٌنشاء خمسمائة ألف وظيفة خلال عام وارتفاع الفائض التجارى إلى 245 مليار يورو.. ولكن هذه القوة الاقتصادية التى لمستها خلال زيارتى لألمانيا مهددة بسبب إعادة طرح نموذج النمو.. وتأهب إدارة دونالد ترامب لإجراءات وقائية فى مجال السيارات وتضاعف العقوبات ضد الشركاء الرئيسيين لبرلين.. ويرى المراقبون أن المجتمع الألمانى الذى كان يضرب به المثل فى إيجاد الحلول الوسط قد انقسم واستقطب حول استقبال اللاجئين وتضاعف العمليات الإرهابية على يد متطرفين إسلاميين. وباختصار فان أوروبا والعالم يعانيان من التهديدات الاستراتيجية الناجمة عن الجهاد والتيارات الشعبوية فى كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
إن أنجيلا ميركيل فى هذه الأوقات المضطربة تقود من جديد ائتلافا حزبيا منهكا بسبب رؤساء أحزاب مستنفدين، ويتعارض مع فرنسا بقيادة ايمانويل ماكرون المتدفق بالحيوية والذكاء والكياسة ومع النمسا برئاسة سيباستيان كيرز الذى لم يتعد 31 عاما!
ان إعادة توجيه النموذج الألمانى نحو المتطلبات الداخلية قد انطلق وفقا لارتفاع الرواتب والأجور وعودة الاستثمارات كما ان المساندة التى يقدمها الائتلاف للتأ هيل والتعليم والابتكار والاقتصاد الرقمى سوف تدعم المنافسة التركيبية لجهاز الإنتاج.. وانما التحدى الأصعب ينحصر فى مجال الأمن والهجرة لأنه يتطلب إعادة تحديد المفهوم الأساسى للديمقراطية الألمانية.. لقد فرضت انجيلا ميركيل نفسها كإدارية عظيمة للائتلاف أكثر من أن تكون صاحبة رؤية.. ولقد أدارت بجدارة الميراث السياسى «لهلموت كول» و«جيرارد شرودير» أكثر من رسمها طرقا جديدة. ان انجيلا ميركيل التى أصيبت بالضعف فى الداخل مثلما فى الخارج ليس لديها إلا استراتيجية وحيدة وهى الاتحاد الأوروبى، ولديها شريك أوحد وهو فرنسا عقب البريكسيت ومن حظها ان ماكرون فرض نفسه كزعيم لأوروبا لديه احتياج حيوى فى إطلاق منطقة اليورو ليساهم فى إعادة استقامة وقامة فرنسا.
ويرى خبراء أوروبا ان كليهما ـ ميركل وماكرون ـ يراهنان على مستقبلهما حول إعادة تشكيل اليورو والاتحاد الأوروبى نفسه خاصة ان الجدول الزمنى ضيق بين ابريل 2018 عندما يتم تشكيل الحكومتين الألمانية والإيطالية الجديدتين وبين خريف 2018 الذى سوف يشهد المفاوضات حول «البريكسيت» وانطلاق حملة الانتخابات الأوروبية فى مايو 2019.