تحسست رأسي عندما رأيت خبرًا عن استكمال التعاون بين الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو مع جمعية "مبدعون"، التي زينت جدران محطة مترو الأوبرا، بالإضافة إلى التعاون أيضا مع طلبة كليات الفنون الجميلة والتطبيقية والآثار لاستكمال تجميل ٦٣ محطة بالخطين الأول والثاني.
بداية كلي ثقة في صدق نوايا هؤلاء الشباب ووزارة النقل.. ولا تشكيك مطلقًا في رغيتهم القوية لتجميل محطات المترو.
وثانيا: أعتقد أنه لا أحد يرفض التجميل بصفة عامة فالجمال عكس القبح، ومن يرفض الجمال يكون كمن يوافق على انتشار واستمرار القبح في جنبات واحد من أهم المرافق العامة في حياة المصريين أو بالتحديد في حياة سكان القاهرة الكبرى فقط.. مع القلة التي تأتيهم كل صباح من المحافظات الأخرى.
ثالثا: تحسس العقل، والاستغراب والدهشة على الخبر.. نابع من تكرار التجارب السابقة التي شهدتها عبر حياتي وسنين عمري، والتي لم تنته بنهايات سعيدة (لاحظ أنني لم أقل فاشلة).. وهو ما جعل لي عدة ملحوظات على هذا التعاون وهذا التجميل.. أرجو أن يأخذ بها أولى الأمر قبل الشروع في تنفيذ هذا التجميل، ولعلها تكون إضافة لهم ولنا.
عندي تجربة حياتية أحب أن أنقلها إلى السادة المسئولين الراغبين في التجميل.. التجربة عن مبنى محطة رمسيس للسكك الحديدية.. والذي تم تجميله منذ عدة سنوات؛ فقد تم إسناد تطوير وتجميل هذا المبنى إلى جامعة الإسكندرية.. وتم إنفاق عدة ملايين من الجنيهات.. إلا أن عباقرة التجميل وكثرة الملايين - في رأيي الشخصي - حولت المحطة إلى مسخ كبير يستقبل القادمين من الأقاليم.. حين خلطوا تصميمات فرعونية كثيرة على تصميمات إسلامية كانت موجودة في الأصل عند بناء المحطة.. مع تصميمات حداثية استعملوا فيها الزجاج الشفاف.. فأصبح عندنا "خلطبيطة كبيرة".. بالبلدي "ما خلوش المسافر نفسه في حاجة.. فن فرعوني تلاقي.. فن إسلامي تلاقي.. فن حداثي (مودرن) برضو موجود".
وما أقصده من ذكري لهذه التجربة.. أنه رغم إنفاق الملايين ورفع شعار التجميل والتطوير إلا أنني في النهاية لم أحصل على التصميم الخرافي أو الحل النموذجي الذي يجعل المحطة تنضم إلى أجمل محطات السكك الحديدية في العالم.. بل على العكس حولها إلى كائن مشوه قبيح يدركه ويعرفه ويراه كل متذوق للفن يدخل إلى المحطة.
والمعني أيضا الذي أحاول الوصول إليه، لا أريد تجميل محطات مترو الأنفاق بمجرد ألوان زاعقة زاهية على الجدران يأكلها الزمن بعد عدة شهور أو بالكثير بعد عدة سنوات، ثم ترجع إلى قبحها مرة أخرى.. مع احترامنا وتقديرنا الكامل لتجربة حملة "تيجي نلونها"، والتي بدأت بمحطة الأوبرا.
أريد أن يكون التطوير شاملا لجداريات على الحوائط.. جداريات ثابتة لا تنقضي حتى لو زال لونها الجديد تظل واقفة وشاهدة على إبداع وتفوق وذوق وفن المصريين.. كل هذه الصفات، أثق جيدا أنها مازالت موجود عندنا لم تبرحنا ولم تفارقنا، أرغب في تجميل وتطوير في محطات المترو عندنا لتنضم إلى أجمل محطات المترو في العالم.. كمحطة مترو بوليفار في تايوان.. وكمحطة سيتي هال في نيويورك بأمريكا.. وكمحطة مترو شنغهاي في الصين أو كمحطات مترو موسكو - التي تعد الأجمل في العالم- وقد زرت مترو موسكو وشاهدت دقة إبداعاته وروعة تصاميمه.. فحتى عندما لاحظت غياب الألوان الزاهية بسبب مرور الزمن عليها.. إلا أنها تحتفظ بالجمال المستمر الذي لا يتغير بتغير الزمن.. نقوشات وروسومات وجمال وإبداع وتصاميم رائعة.. تشبه إبداعات قصر البارون.. مهما مر على ألوانه من السنين ففي جدرانه فن وذوق لن يتغير.
خلاصة الفكرة.. أنني واحد من الذين يعترضون على هذا التجميل إن كان سيزين الجدران بمجموعة من الألوان وفقط.. والتي ستختفي بعد عدة شهور وحتى لو افترضنا أنها من خامات عالية الجودة والتكلفة فستسمر عدة سنوات.. ثم يعود القبح كما كان.. أرغب في تغيير الجوهر وليست مجرد ألوان ستزول بعد فترة.. اللهم قد بلغت.