لم أفهم جيداً نص البيان الصادر عن النائب العام بشأن الأخبار التي يخطط لنشرها وبثها وإذاعتها قوى الشر فى وسائل الإعلام، ما المغزى منه؟، الشيء الوحيد الذي فهمته من البيان بشكل عام، أن النائب العام قرر تعطيل وظائف: نقابة الصحفيين، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهيئتي الصحافة والإعلام، وقانون تنظيم الصحافة 1996، ومواثيق الشرف الإعلامية، وأمر بتشكيل هيئة رقابية من: المحامين العامين، ورؤساء النيابة العامة، لكي تتابع: وسائل الإعلام، وتقيّم ما ينشر ويذاع، وتفرز الصحيح من الكاذب، وتضبط: المذيع أو الصحفي أو الكاتب أو رئيس التحرير أو رئيس القناة أو معدي البرامج، أو مالك الصحيفة والقناة، أو رئيس مجلس إدارتهما، واتخاذ ما يلزم من إجراءات جنائية، وذلك في حالة (تعمد) نشر أو إذاعة: أخبار، بيانات، شائعات كاذبة، تهدف (أو من شأنها): تكدير الشأن العام، إلقاء الرعب فى نفوس أفراد المجتمع، إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة.
كما شمل بيان النائب العام تكليفا للمسئولين عن الإعلام بالإبلاغ عن: كل ما يمثل خروجا على مواثيق الإعلام والنشر، وهو ما يعنى الجمع بين عقوبتين: عقوبة النقابة أو الهيئة، وعقوبة قضائية، أو قضائية فقط، ويعنى كذلك تحويل قيادات النقابة والهيئات المهنية إلى مرشدين ومخبرين، يتابع، ويصنف، ويبلغ عن زملائه.
على أية حال قد يكون هذا التصور لمخطط قوى الشر في مجمله صحيحاً، فهناك بالفعل من يتربص بالوطن، وهناك من يحاولون إسقاط النظام أو تقليب المواطنين ضده، وهناك كذلك من يحاولون إسقاط الدولة ككل، ونحن بالطبع لسنا ضد وضع آلية تتصدى لمن يحاولون العبث بالوطن، لكن هذا البيان بصياغته الحالية يحتاج إلى توضيح للعديد من النقاط.
على سبيل المثال: كيف يميز المحامى العام ورئيس النيابة بين الخبر الصحيح والكاذب؟، هل سيتتبعان مصادر الأخبار؟، هل سيتفرغان للتحري عن صحة جميع ما ينشر ويذاع؟، وهل سيتركان مشاكل الناس ويتفرغان لمتابعة الصحف والقنوات والمجلات ومواقع التواصل؟
بغض النظر عن قدرة المتابعة ونوعيتها، نحب أن توضحوا لنا: هل كل خبر كاذب سيتم تصنيفه في خانة: تكدير الأمن العام، إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع، إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة؟، كيف سنضبط تعريف مصطلح: الأمن العام؟، وما هي الآلية لمعرفة ما يكدره؟، ودرجات تكديره؟، وعلامات التكدير؟، وكيف سنعرف أن خبرا أو مقالا أو تقريرا أو غيرها قد ألقى الرعب في نفوس المواطنين؟، وكيف سنتحقق من نسبة الذين أصيبوا بالرعب؟
الحديث عن ارتفاع أسعار الخدمات يرعب المواطنين، الكلام عن رفع أسعار المواصلات يفزعهم، الكلام عن ذبح الحمير يسود الدنيا فى وجوههم، التسامح مع من استولوا على أموالهم وأراضيهم ينكد عليهم، انتشار البطالة والعنوسة يوجع قلوبهم، السؤال الأخير: كيف سنتحقق من أن ما نشر أو أذيع أضر بمصلحة الدولة وليس بمصلحة النظام؟. وهل كل خبر كاذب سيتحول إلى جريمة وجناية؟، وكيف سنتحقق من أنه كان متعمداً؟