الأهرام
عزت السعدنى
اللغة العربية ــ لغة القرآن ــ تحتضر ونحن عنها لاهون !
مازلنا داخل قاعة المحاضرات فى نقابة الصحفيين.. أنا على المنصة أتكلم وفوق كتفى هموم صاحبة الجلالة الصحافة.. وجموع الصحفيين الشباب والشابات على الكراسى أمامى قاعدون وقاعدات تتطلعن ويتطلعون ويحلمن ويحلمون كأنهم وكأنهن سرب من طيور البجع الأبيض نقاءً وتحضرا وتحفزا فى باليه بحيرة البجع الشهير لخاتشادوريان الذى يتحول فيه البجع فى الليل إلى فتيات جميلات وفتية أشداء بواسل.. يكادون يسدون عين الشمس تطلعا وتناحرا.. فكرا وأدبا وعلما.. حبا وهجرا.. وصفاء وتألقا..

السرب الأبيض أمامى الآن فى القاعة وقد تحول إلى فتيان يحلمون وفتيات يحلمن بغد صحفى أكثر اشراقا.. وصحفا أكثر تألقا وصحافة تعيش العمر كله.. تحمل هموم مصر والإنسان المصري.. كما حملت راية الحضارة قبل الزمان بزمان «بردية حابي» التى تركها لنا الأقدمون العظام.. والتى أعتبرها أنا ومن خلفى جهابذة القلم والتاريخ والصحافة أول صحيفة ظهرت على وجه الأرض قبل الزمان بزمان من أوراق البردى.. وعمرها الآن أربعون قرنا ويزيد.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل..

وعلى أى حال من يريد أن يقرأ أى نسخة من أول صحيفة عرفها الانسان.. فسوف يجدها داخل مجموعات: «مجلة حابي» التى صدر منها عشرة أعداد.. وكان رئيس مجلس إدارتها عالم المصريات ورفيق الدرب والطريق زاهى حواس.. وكنت أنا رئيس تحريرها وجاءت الثورة التى أطاحت بكل شيء فى 25 يناير لتغلقها بكل أسف.. وتسد عين الشمس المصرية المتحضرة المستنيرة إلى أجل غير مسمي.. ولم يفكر وزير واحد من وزراء الآثار الذين تعاقبوا على مقعد وزير الآثار زاهى حواس فى اعادتها مرة أخرى إلى النور!

على أى حال تعالوا نعود إلى قواعدنا.. أقصد إلى مقاعدنا من حالة السرحان الحضارى هذه.. أنا مازلت على المنصة والصحفيون الجدد مازالوا على مقاعدهم فى صالة القاعة الكبرى فى نقابة الصحفيين التى يقود مسيرتها العزيز عبدالمحسن سلامة والحوار مازال يدور بينهم وبينى حول الصحافة وهمومها وهمومهم مع مهنة أصحاب المتاعب..

سألونى: من قابلت فى حياتك يا ترى من رجال الفكر والأدب والقلم.. ومن عظيمات صاحبة الجلالة وصاحبات القلم وأميرات الكتابة؟

وبمن تأثرت منهم ومنهن فكرا وكتابة؟ وماذا قالوا لك.. وماذا قلت أنت؟

قلت لهم: لقد جمع الأستاذ محمد حسنين هيكل فى مبنى الأهرام المكتوب باسمه الآن صومعة أدباء وشعراء وكتاب مصر كلهم.. وأفرد لهم الدور السادس بحاله خ المبنى الرئيسى المعروف باسمه الآن.. وأجلس كل واحد وكل واحدة فى غرفة خاصة.. حتى أصبح الدور السادس كله يشع نورا وفكرا وأدبا وعلما وفنا وتحضرا.. كأنه كما قال عنه توفيق الحكيم أيامها.. صومعة الفكر والأدب والصحافة والفن الرفيع..

وتخيلوا معى يا رفاق اليوم وصناع الغد أن هذا الدور السادس كان يجمع: توفيق الحكيم + د. زكى نجيب محمود+ د. بنت الشاطئ + نجيب محفوظ + د. يوسف إدريس + د. مصطفى محمود + الفنان الرسام صلاح طاهر + رفيق الدرب والطريق أنيس منصور.. وثروت أباظة

وتخيلوا معى كل هؤلاء العظام فكرا وفنا وأدبا يجمعهم دور واحد.. أطلقوا عليه أيامها صومعة الفكر والأدب والفلسفة والفن الرفيع..

يسألوننى: أين هم الآن؟

قلت: لقد رحلوا عن عالمنا بعد أن أعطوا فأغدقوا من أدبهم وفنهم وفكرهم الرفيع على صفحات الأهرام أدبا وفكرا وفنا وعظمة حقبا وأعواما

يسألوننى: هل حظيت بمقابلتهم يوما أو بعض يوم؟

قلت: نعم لقد كان ذلك من حسن حظى أنا ومن سوء حظهم هم وتعلمت منهم الكثير ولا أنسى أبدا ما قالوه لى..

> يسألوننى وماذا قالوا لك؟

قلت يوسف إدريس قال لى: أنت يا عم عزت محسود محسود.. محسود!

على إيه؟ موش عارف والعبارة الاخيرة لى أنا!

> وقال لى توفيق الحكيم يوما وكنت يادوب سنة أولى أهرام: أنت باين عليك ولد مشاغب والصحافة والكتابة تحب هذا النوع المشاغب المشاكس!

> وقال لى العزيز أنيس منصور كتابة فى عموده اليومى فى الأهرام: أنت صحفى وأديب فى وقت واحد.. لا أحد يعرف فى كتاباتك.. أين يبدأ الأديب وأين ينتهى الصحفى؟

> وقال لى الأديب الكبير ثروت أباظة: أنت مثل بطلة فيلم «شيء من الخوف» الذى كتبت قصته.. والتى فتحت حنفية الماء لكى تروى الأرض العطشانة.. يا سلام .. ويا سلام هذه من عندى أنا!

وقال لى د. مصطفى محمود: أنت ولد راكبك عفريت!

وحاولت أن أفهم منه ماذا يعنى بقوله هذا ولكنه قال: كفاية عليك كده..إفهمها انت بقي!

> وقال لى الفيلسوف د. زكى نجيب محمود: والنبى يا ابنى أنا موش فاهمك عاوز تقول إيه.. فى كتاباتك أنت تحيرنى كثيرا!

> وقالت لى نفس الكلام د. بنت الشاطئ: أنا موش فاهماك يا بنى.. أنت بتشخبط شخابيط.. أنت ولد ظريف وبس.. وكفاية عليك كده!

> وقال لى يوما الفنان الكبير الرسام صلاح طاهر وكنت حريصا على زيارة معارض رسوماته: أنت فى كتاباتك.. رسام.. لكن بالكلمات وأنا رسام بالفرشاة والألوان!

> ولكنى لا أنسى أبدا ما قاله لى الأديب والقصاص الكبير إسماعيل الحبروك عندما كان رئيسا لقسم التحقيقات الذى ألتحقت به عندما كنت فى مثل سنكم هذه فى بداية دخولى الأهرام: شوف يا عم عزت من أولها كده أنت لا تصلح صحفيا.. انت بتكتب موضوع انشاء وليس تحقيقا صحفيا!

كلمات إسماعيل الحبروك هذه كانت يا أعزائى بمثابة جرس إنذار لى.. والتى وضعتنى على أول الطريق الصحيح!

قالوا لى فى صوت واحد: أنت يا سيدى قبل كل شئ محظوظ.. محظوظ.. محظوظ.. لمجرد أنك عاصرت هؤلاء العظام.. وهذه العلامات المضيئة فى سماء الصحافة والكتابة والفن والأدب.. ويكفى مجرد مقابلتهم ومصافحتهم.. لا أكثر!

<{<

قالت صحفية أروبة: أنت لم تكمل لنا سلسلة أفكارك التى تريد منا أن نحولها إلى تحقيقات وأحاديث صحفية نعرضها عليك قبل أن ننشرها فى صحفنا؟

قلت: هذا حقكم علينا.. وإليكم هذه القائمة الجديدة:

>> على رأسها مأساة اللغة العربية لغة القرآن والشعر والادب التى تضيع وتكاد تندثر.. نحن أيها السادة لم نعد نعلم أولادنا فى المدارس قواعد اللغة العربية من نحو وصرف وإنشاء وتعبير.. بعد أن دخلت مدارس اللغات فى الخط وأصبحنا ـ أقصد أولادنا وبناتنا ـ نرطن بلسان أجنبى فى مدارسنا: إنجليزى وفرنساوى وألمانى وروسى أيضا.. أما اللغة العربية لغة القرآن والشعر والأدب والصحافة.. فقد ضاعت وتاهت وأفلتت من بين أيدينا.. حتى إن ملايين الأولاد أصبحوا لا يعرفون الكتابة بالعربي.. ولم يهتم أحد من أكبر راس فى وزارة التعليم إلى أصغر مدرس يدرس اللغة العربية هانقول ونردده.. وهاتولى تلميذ فى الإعدادى يعرف يكتب خمس سطور بس عربى.. ناهيك عن الإعراب وقواعد التطبيق والنحو والكتابة يا عالم اللغة العربية تموت فى بلدنا.. وبصوا على المسلسلات التليفزيونية والأفلام والإعلانات ولافتات المحلات والمحال التجارية.. كلها بالانجليزى.. أمال فى لندن يكتبوا ايه؟.. عربى؟!

صاحت أصوات من داخل القاعة: يا فندم اللغة العربية ماتت وشبعت موت!

مازلت أتكلم:

>> الحاجة الثانية هى البحث عن وظيفة بعد أن وصلت نسبة البطالة إلى أرقام قياسية أفتكر حسب معلوماتى ما بين 10% و12% عدد العاطلين.. ومن يريد أن يصحح هذه المقولة.. فليتفضل.. أين المصانع المعطلة التى قالوا إنهم فى سبيل تشغيلها؟

أين أصحاب حملة الدكتوراه والماجستير الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها تظاهرات وتظلمات؟

هل لابد أن يتدخل الرئيس السيسى لكى نتحرك؟

<{<

يسألوننى: وإيه كمان يا معلم؟ ـ بضم الميم وفتح العين وكسر اللام وسكون الميم ـ ماذا عندك لنا؟

قلت: نمرة ثلاثة: الفن المصرى إلى أين؟

لا أغانى ولا موسيقى ولا تلحين ولا شعر حقيقى.. إلا ما يسمونه الآن «الشعر العامى» الذى نسميه العيش الحاف من غير غموس!

ولا سينما ولا مسرح ولا فن تشكيلى وأرجو من الله أن أكون مخطئا فى تصورى هذا.. ويعنى بكل صراحة أن الإبداع والخلق والفن الرفيع يموت موتا بطيئا فى بلدنا.. وأرجو من الله ألا أكون قد تجاوزت حدودى هنا!

<{<

قالت صحفية شابة: لم تكمل لنا مسيرتك مع الأستاذ هيكل.. ماذا قال لك؟.. وماذا قلت له؟

قلت: والله فكرتينى بالأستاذ الذى وجدت فيه الحق والصدق كله.. قالى لي: الصدق أولا وأخيرا.. مع نفسك أولا.. ثم مع الآخرين..

وقال لى: الشجاعة فى القول وفى الكتابة «وعمرها ما كدبت معايا».. لكن الشجاعة فى الحق والصدق.

> قال لي: الصحفى يا عم عزت هو كاتم أسرار الكون كله موش بس بلده.. ولو فتحت أنا حقيبة الأسرار يوما لانكشفت عورات وبانت حكايات تشيب لها الولدان.. وكفاية عليك كده!

وأنا ـ والكلام لى طول عمرى كاتم أسرار البلد والمهنة والزملاء.. ومصر التى منحتنى كل شىء.. الحياة والمكانة.. والعلم وثقة القراء..

<{<

يسألوننى: حدثنا عن رحلاتك؟

قلت: هذا حديث طويل.. لقد ذهبت فى رحلات صحفية إلى كل مكان تقريبا فى نصف الكرة الأرضية الشمالى.. ولكننى مازلت أعيش ذكريات رحلتى إلى القدس الأسيرة الآن.. وأنا فى مثل سنكم فى الرابعة والعشرين من عمرى..

وتساقطت دموعى غصبا عنى لمجرد أن نطقت كلمة القدس.. والمسجد الأقصى وصفقت القاعة تأثرا وتعاطفا!

قالوا لى: إحكى لنا رحلتك الى القدس وصلاتك فى المسجد الأقصى الأسير الآن فى يد لا ترحم؟

ولاتنسى صلاتك فى كنيسة القيامة.. وزيارتك لبيت لحم مهد السيد المسيح؟

قلت: هذه حكاية طويلة طويلة..سأحكيها لكم يوما.

يسألوننى: متى؟

قلت فى المرة القادمة ان شاء الله {

>> من يصدق أيهاالسادة أن طلبة المدارس والجامعات لا يعرفون لغة الضاد .. لغة القرآن .. لا قراءة ولا كتابة؟! >>
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف