تثار بين الحين والآخر قضية تعدد الأحزاب فى مصر حيث تجاوز عدد الأحزاب التى شكلت بعد ثورة 25 يناير ما يقرب من 100 حزب معظمها يفتقر إلى المواصفات الكفيلة لقيامه بنشاط فعال فى المجتمع، وقد أثيرت أخيرا هذه المسألة بمناسبة انتخابات رئاسة الجمهورية وعدم قدرة معظم الأحزاب على تقديم مرشحين للرئاسة لديهم القدرة على المنافسة الانتخابية بسبب ضعف أحزابهم. وتعددت الآراء حول هذه الأسباب واتجه معظم الذين تناولوا هذه الظاهرة بالمناقشة إلى ان البيئة السياسية التى تحيط بالتعددية الحزبية لا توفر الشروط المناسبة لنمو هذه الأحزاب إلى القدر الذى يمكنها من المنافسة المتكافئة. ولكن هذه البيئة وما تتضمنه من ظواهر ليست العامل الوحيد فى ضعف الأحزاب المصرية فهناك عوامل نابعة من الأحزاب نفسها ومن أسلوب المؤسسين لها فى قيادتها حيث نلاحظ أن الغالبية العظمى من المؤسسين لهذه الأحزاب هم من المثقفين أو النشطاء السياسيين الذين تجمعهم رؤية فكرية وسياسية واحدة فيسارعون إلى توفير الشروط القانونية لإنشاء الأحزاب كما ينص عليها قانون الأحزاب مثل الحصول على توكيلات موثقة من 5000 مواطن موزعين على أكثر من 10 محافظات وبرنامج سياسى للحزب ولائحة للنظام الداخلى وحساب باسم الحزب فى أحد البنوك المصرية. والحقيقة أن هذه المقومات لا تكفى وحدها لاكتساب الحزب الفاعلية السياسية المطلوبة ولا تكسبه القدرة على منافسة غيره من الأحزاب فى الانتخابات ولا يتوفر لديها القدرة على الضغط بوسائل سلمية من أجل تحقيق أهدافها لأنها تفتقد إلى القدرة على جذب قطاع واسع من المواطنين لعضويتها وممارسة نشاط سياسى جماعى فى مختلف أنحاء الجمهورية من مدن وقرى كما أنها تفتقر إلى الكوادر السياسية المؤهلة لقيادة الجماهير بما يشكل تحديا للسلطة القائمة يدفعها إلى احترام هذه الأحزاب والتجاوب معها فيما تطرحه من مطالب خاصة بالمواطنين لحل مشاكلهم. ويترتب على ذلك أن السلطة القائمة تمارس نشاطها دون أن تضع فى اعتبارها هذه الأحزاب، يكفى مثالا لذلك أنه بعد أن نشأت التعددية الحزبية فى مصر سنة 1976 وبلغ عددها قبل نهاية الثمانينات ما يقرب من 10 أحزاب كانت كلما حان موعد الانتخابات البرلمانية فتسارع قيادات هذه الأحزاب إلى الاجتماع معا لمناقشة الموقف من هذه الانتخابات ومدى توافر شروط النزاهة فيها وفى كل مرة كانت هذه القيادات تصدر بيانا مشتركا بالشروط الواجب توافرها فى هذه الانتخابات لكى تتوافر فيها النزاهة وتهدد بأنها ستقاطع الانتخابات مالم تتوافر هذه الشروط ولكن السلطة لا تستجيب لهم لأنهم لا يمتلكون القدرة على الضغط من أجل امتناع كل القوى عن المشاركة فتضطر الأحزاب إلى الاشتراك فى الانتخابات بنفس الأوضاع التى تنتقدها وتطالب بتغييرها واستمر هذا الوضع إلى سنة 2011 حيث قامت ثورة 25 يناير وعدلت قانون الأحزاب والقوانين المتصلة بالعملية الانتخابية ووفرت هذه الشروط بالفعل.
وعندما فتح باب الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية لم تستطع الأحزاب أن تقدم مرشحين قادرين على منافسة الرئيس السيسى وتأكد بذلك أن توافر شروط النزاهة فى الانتخابات لا تستطيع وحدها أن تمكن الأحزاب من المنافسة الحقيقية بين المرشحين وأنه بدون توافر القدرة الجماهيرية للأحزاب فانها لا تستطيع أن تحقق الهدف الذى تأسست من أجله وهو تداول السلطة بأساليب سلمية من خلال الانتخابات والقدرة على المنافسة. وهناك شبه إجماع بين الذين تناولوا قضية ضعف الأحزاب فى مصر أن جماهيرية الحزب هى العامل الأساسى فى امتلاكه القدرة على إدارة الصراع مع غيره من الأحزاب وأن هذه الجماهيرية تتوافر عندما ينجح الحزب فى كسب عضوية جديدة فى معظم المحافظات فى مناطق التجمع الجماهيرى وخاصة المناطق الصناعية والجامعات ويعنى هذا ضرورة العمل بين الناس فى مناطق عملها ومناطق سكنها ومناطق نشاطها وأن يمتلك الحزب العدد الكافى من الكوادر السياسية المدربة والمؤهلة للنشاط داخل هذه التجمعات وإقناعها بالانتماء الى الحزب والمشاركة فى أنشطته المتنوعة ويعنى هذا أن يتجه مؤسسو الحزب وقياداته العليا إلى ما يمكن تسميته ببناء الحزب من أسفل حيث تمارس هذه القيادات نشاطها مع قواعد الحزب فى وحداتها الأساسية وأن يكون هذا النشاط مستهدفا تنظيم العضوية فى مواقع عملها أو سكنها أو نشاطها وأن تنظم دورات تثقيفية للعضوية تشمل رؤية الحزب السياسية وبرنامجه النضالى ومشاكل الجماهير التى يعطيها الحزب أولوية فى نشاطه، ومن خلال الاجتماعات المنتظمة مع العضوية والمناقشات التى تجرى بينها حول مشاكل المواطنين وطرح هذه المشاكل فى أنشطة الحزب الجماهيرية سوف تتوفر للحزب قواعد جماهيرية قادرة على قيادة المواطنين فى عمل جماعى لحل هذه المشاكل وبذلك تتوافر للحزب القدرة على الدفع بأعضائه إلى منظمات المجتمع المدنى والمجالس الشعبية المحلية ومجلس النواب.