الأخبار
رجائى عطية
مدارات - الآثار المصرية المتفردة النادرة بين التسفير والإقامة
توالت الكتابات والتعليقات حول تسفير قطع متفردة ونادرة، من مخلفات توت عنخ آمون ضمن أندر التراث الفرعوني، لمدة سبع سنوات، من 22 مارس 2018 الحالي، حتي نوفمبر 2024، في رحلة طويلة بين قارات أمريكا ثم أوروبا ثم استراليا ثم أمريكا مرة أخري ثم آسيا، محمولة جوًّا في رحلات لا تخلومن الأخطار، وتقيم في بلدان معروفة بكثرة الزلازل والبراكين، وكل ذلك لحساب شركة أمريكية خاصة بأفراد، قيل إن أحد رجال الآثار شريك فيها، وأن هذا الشريك المصري قد اتفق علي إلقاء مائة محاضرة في الآثار لقاء مليون دولار تعادل ثمانية عشرة مليون جنيه مصري، وأن سيادته لا يكف عن التصريح بأن تسفير هذه الآثار المتفردة النادرة، ومنها 30% آثار من الذهب الخالص، هوفتحٌ مبين لم يسبقه سابق ولن يلحق به لاحق !
لا رد ولا جواب !
ولم أقرأ ردًّا ولا تفسيرًا من السيد وزير الآثار صاحب القرار، ولا ردًّا علميًّا للأثري المتغني بالغزوالمبين، علي الانتقادات التي وجهت، ولا علي آراء معدودة لعلماء في الآثار وعاملين في قطاعه، تحدثوا فيها عن المخاطر المحدقة بهذه القطع المتفردة النادرة، سواء في رحلات الجووما يمكن أن يعتريها أويقع لها، أوالإقامة في بلدان عرفت بكثرة الزلازل فيها، أوكثرة التنقلات والشيل والحط والعرض والتشوين ثم الفك للعرض ثم التشوين وهلم جرَّا في هذه الرحلة الطويلة التي تجوب فيها آثارنا أربع قارات وست دول، وعشرة مدن وعواصم شتي بين لوس أنجلوس بأمريكا ثم باريس ثم لندن بأوروبا، ثم متحف مدينة واشنطن بأمريكا مرة أخري، ثم المتحف الاسترالي بالقارة الاسترالية البعيدة، ثم منها إلي متحف سيول الكورية بالقارة الآسيوية، ومنها تعود مرة أخـري إلـي القـارة الأمريكية لتعرض بمعهد فرانكلين في فلادلفيا، ثم متحف فيلد بشيكاغو، ثم تنتقل من القارة الأمريكية إلي القارة الآسيوية مرة ثانية لتعرض بمدينة طوكيو، ثم إلي متحف أوساكا للفن بمدينة أوساكا اليابانية، لقاء ما قيل مرة إنه خمسة ملايين دولار، وما قيل مرة إنه لقاء خمسين مليون دولار، ورسم أربعة دولارات تقتضيها مصر عن كل زائر بشرط وصول عدد الزوار ما بين 400 ألف إلي 700 ألف زائر، ثمنًا للمعروضات الأثرية المصرية المتفردة النادرة التي أهينت، وحُرِمَ منها المتحف المصري الكبير الذي اتفقت ذات وزارة الآثار مع شركة عالمية لعمل العرض المتحفي لهذه القطع المتفردة النادرة، لتزيّن متحفنا الكبير، وهوما يعني أن الفتارين المعدة لعرضها سوف تبقي خاوية علي عروشها لسبع سنوات، وذلك كله لحساب شركة خاصة مملوكة لأشخاص، وغير معروف من هم شركاء » جون نورمان »‬ فيها، وكل ما عُرف عنه أنه كان المسئول عن حملة ترويج »‬ البرنيطة » للدكتور زاهي حواس، والتي قيل وقتها إنها لأعمال خيرية لم يتابعها أويراجعها أحد !
مخالفة القانون
وتجاوز سلطات رئيس الجمهورية
يبدولي أن قرار التسفير تَنَكَّبَ الطريق علي الواسع، وفاته أن التسفير »‬ ممنوع » منعًا باتًّا ونهائيًّا بالنسبة للقطع الأثرية »‬ المتفردة » ـ أي غير المكررة، وأنه بالنسبة للآثار المكررة »‬ غير المتفردة » ـ فلا يجوز اتخاذ قرار بعرضها ـ إلاَّ من »‬ رئيس الجمهورية »، وذلك بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتأمينها تأمينًا كافيًا .
وهذه القيود والضوابط نصت عليها الفقرة الثانية للمادة العاشرة من القانون رقم 117/1983 بإصدار قانون حماية الآثار، وأُعيد النص عليها في المادة العاشرة المستبدلة بالقانون رقم 3 لسنة 2010 بشأن حماية الآثار، فلم تُعْطَ سلطة العرض بالخارج، إلاَّ لرئيس الجمهورية فقط، واشترطت أن تكون الآثار التي يشملها قرار سيادته من الآثار »‬ غير المتفردة »، وأن يكون العرض بالخارج »‬ لمدة محددة »، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها تأمينًا كافيًا . فنصت المادة العاشرة المستبدلة بالقانون 3/2010 علي أنه : »‬ يجوز بقرار من رئيس الجمهورية، عرض بعض الآثار ـ »‬ غير المتفردة » والتي تحددها اللجان المختصة في الخارج »‬ لمدة محددة » وكذا تبادل بعض الآثار المنقولة »‬ المتكررة » مع الدول أوالمتاحف أوالمعاهد العلمية العربية أوالأجنبية، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها تأمينًا كافيًا » .
فالسلطة مقررة لرئيس الجمهورية دون سواه .
وسلطة الرئيس نفسه ـ مقيدة بأن يكون العرض للآثار »‬ غير المتفردة » أي للآثـار »‬ المتكررة »، وأن يكون قرار سيادته »‬ لمدة محددة »، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها تأمينًا اشترط النص أن يكون »‬ كافيًا » . وأن التعامل بصريح النص يكون مع »‬ الدول » أو»‬ المتاحف » أو»‬ المعاهد العلمية » ـ لا مع الشركات، ناهيك بالشـركات الخاصة المملوكة لأفـراد وغير مدرجـة بالبورصة، ولا سلطان لأحد علي ميزانيتها وملاءتها من عدمه !
وعلي ذلك فقرار السيد وزير الآثار، الذي انفرد به دون باقي الجهات المختصة المعنية ومنها وزارة الثقافة، والمجلس الأعلي للآثار، قد خالف القانون مخالفةً صارخةً، وتجاوز سلطات رئيس الجمهورية تجاوزًا أكثر صراخةً وغير مقبول، فلم يكف القرار المعيب أنه انتحل سلطات الرئيس، بل وزاد عليها تقرير ما لا يمكن للرئيس نفسه إقراره !!!
مخالفات أخري لا بصيرة فيها !!
لم يكن حسب القرار المعيب مخالفة القانون وتجاوز سلطات رئيس الجمهورية، وتقرير ما لا يمكن لسيادته تقريره، وإنما غاب عن هذا القرار اعتبارات بالغة الخطر والأهمية، تشجبه بقلة الفهم وعدم التبصر .
فالكرامة الوطنية حاضرة ولا شك في مثل هذه القرارات !
وحق المتحف المصري الكبير أن تزيّنه القطع الأثرية المصرية النادرة المتفردة، حق يعلوعلي الأغراض، ولا يدخل في مساومات، ولا يجوز تخطيه، ولم نسمع ـ مثلاً ـ أن متحف اللوفر قد أجاز إخراج وتسفير محتوياته إلي خارج فرنسا بل إلي خارج مبناه في باريس !. وحسابات المكسب والخسارة حسابات ضريرة لا تتقدم هذين الاعتبارين، ومع ذلك فإنه بحساب المانيفاتورة فإن »‬ الصفقة » ـ ولا أجد تعبيرًا آخر يعبر عن الحقيقة ـ تتبني منطقًا ضريرًا أعوج في حساب المكسب والخسارة!!
فهي لم تحسب الخسارة الناجمة عن غياب القطع المصرية الأثرية النادرة غير المتفردة، من المتحف المصري الكبير، وأثر ذلك علي قدرته علي الجذب، بل وعلي مكانته التي يجب أن ترعاها مصر !!!
وهي لم تحسب الخسارة في قطاع السياحة، وهي خسارة مزدوجة تحرم مصر من زوار يأتونها لمشاهدة آثارها في ربوعها وفي متاحفها خاصةً متحفها الكبير مَعقد الرجاء والآمال، وتشجع الأجانب علي العزوف عن زيارتها اكتفاءً بالآثار المصرية النادرة غير المتفردة التي أتتهم تسعي إليهم!!!
ولم تُحسب الخسارة الناجمة عن كثرة تنقلات القطع وإعادة التشوين والنقل والسفر بالطيران غير المأمون، والإقامة في بلدان عُرفت بكثرة الزلازل والبراكين، وما سوف يصيب القطع من تلفيَّات ونحر يستلزم »‬ترميمًا » قد تجاوز تكاليفه الحساب الدفتري الضرير للمكسب والخسارة!!!
ولم تُحسب الخسارة الناجمة عن تعاقد مصر ممثلة في وزير الآثار، مع شركة خاصة مملوكة ملكية خاصة لأفراد، وبغض النظر ـ وهولا يُغض ـ عن أن التعامل يجب أن يكون مع الدول أوالمتاحف أوالهيئات العلمية، وبغض النظر ـ وهولا يُغض ـ عن الأقاويل المتناثرة عن وجود أثري مصري شريك أوصاحب مصلحة في الشركة الخاصة، وبغض النظر ـ وهولا يُغض ـ عن أن »‬ جون نورمان » أهم الشركاء فيها، غير معروف عنه سوي أنه مسئول حملة ترويج »‬ البرنيطة » للدكتور زاهي حواس، والتي قيل وقتها إنها حملة لأعمال خيرية لم نر لها طحنًا ولم يتابعها أويراجعها أحد !!!
ولم تحسب الخسارة، التداعيات الناجمة عن تداخل الدكتور زاهي حواس في سياسة وزارة الآثار، وتبشيره الغير معللا بأن »‬ الصفقة » فتحٌ مبينٌ يحقق ـ فيما يراه سيادته ـ مكاسب هائلة لمصر !!!
ولم تُحسب الحسابات الدفترية الضريرة، أن معشار عشر هذه الآثار المصرية »‬ المتفردة » النفيسة، تتقاضي عنها دولة الإمارات من متحف اللوفر خمسة وأربعين مليون دولار عن كل سنة، وليس خمسة ملايين لسبع سنوات، ناهيك عن الفارق الكبير في قيمة الآثار !!!
ولم تحسب حسابات »‬ المانيفاتورة » ـ أن شركة »‬ جون نورمان » غير المقيدة في البورصة ـ سوف تكسب ـ وكما أوردت في إعلاناتها ـ 352 مليون دولار عن كل عرض واحد لهذه القطع ـ لمدة عشرة شهور فقط في المرة الواحدة !!!
ملكية مصر، وكرامتها !
لست أريد أن أستطرد في كلام كثير يمكن بل ويجب أن يُقال لولا مساحة المقال، ولكني أحب أن أختم بإيضاح ونداء . أما الإيضاح فهو أن هذه الآثار المصرية النادرة غير المتفردة، ليست ملكًا خاصًّا للسيد وزير الآثار، وإنما هي ملكية مصر كلها بحضارتها وعراقتها ومكانتها، بحكومتها وهيئاتها، وبشعبها صاحب الحق الأصيل الذي لا يعلوه أي سلطة ! وأن الكرامة المصرية ليست »‬ عهدة » لأحدٍ يتصرف فيها من يشاء أو يتاجر بها من يريد المتاجرة والتسويق لنفسه أو لمصالحه !
أما النداء، فهو للسيد رئيس الجمهورية، الذي حمانا وحمي مصر دومًا، أن يراجع بنفسه هذا الملف، وأن يراجع هذا التجاوز الغريب الذي حدث لسلطته التي نطمئن كل الاطمئنان إلي أن سيادته يضعها في موضعها الصحيح، وكما يجب أن تكون .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف