بوابة الشروق
محمد مكى
المزارع الفرنسى وحبيب العادلى
يسأل المستثمر الحقيقى وليس الباحث عن مكسب سريع عن طريق «الاموال الساخنة» عن الطاقة وسعر الصرف، والتراخيص والاراضى، ولكن قبلها يسأل عن «القانون ــ والصحافة» فإذا وجد القانون مغيبا والصحافة مريضة، أحجم عن الاستثمار، الا لو كان يقوم به لصالح أجهزة تفضل التواجد والتأثير السياسى على الربحية، فعدد من رجال الأعمال يفضل مناخ غياب الحرية عن وجودها، فكوريا والعراق ودول فى إفريقيا أكثر ربحا من اوروبا.

تقرير سهولة الاعمال والشفافية ومحاربة الفساد، تضع سببا اساسيا فى تقييم الدول، وهو حرية التعبير وسيادة القانون، فكلما زادت الحرية، فى ظل قانون يحترم، كانت الدولة ايسر فى الاستثمار واكثر ملاءمة، وللاسف المؤشر المعلن من قبل البنك الدولى يعطينا مرتبة أقل دائما.

قبل سنوات قال حبيب العادلى وزير داخلية مبارك إن من يخاف عليه ألا يتكلم، فى رده على سؤال يتعلق بالتنصت على المكالمات، وهى عادة شريرة تحدث فى دول العالم الثالث، حاول الرئيس الراحل السادات، بعد وفاة عبدالناصر مباشرة التخلص منها، فى محاولة للقضاء على مقولة «كدنا نصدق أن للحيطان آذان» السائدة ابان عصر الاخير، فحرية الكلام والتعبير حق دستورى، طالما ان الامر لا يتخطى المحظور القانونى، وما يمس الامن القومى الحقيقى، لا مجرد اوهام تساق، الغرض منها فقط التضييق على الناس.

فى العالم المتقدم كما المتخلف، تستخدم الانظمة الحاكمة عدة نوائب ومشاكل للتدخل فى حياة الناس، فما حدث عقب 11 سبتمبر، جعلت ادارة بوش الابن تتصنت على الناس بصورة مفرطة، لكن ظلت حرية التعبير موجودة وقوية ترفض الاجراء دون مسوغ قانونى، ورغم بشاعة ادارة ترامب خاصة فيما يتعلق بالحريات، الا انها تواجه من المجتمع المدنى والاعلام بقوة للحفاظ على الرصيد الكبير فى حرية التعبير، عندنا ما زال الامر بعيدا جدا، فتصدر قرارات بالتتبع والملاحقة، حتى فيما يعرف بأنه وسائل اتصال شخصية، وندفع أموالا كثيرة فى شراء أجهزة تتبع، يستخدم الكثير منها فى مراقبة أناس غير مسيسين لا يبحثون سوى عن التنفيس بعد تضيق المناخ العام، ناهيك عن المنع والمصادرة الموجودة على وسائل اعلام تعمل بتراخيص عمل رسمية.

فى واقعة مثيرة وحظيت بمشاهدة عالية الاسبوع الماضى، وقف مزارع فرنسى يتحدث بقوة امام الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون، مدفاعا عن حقه وحريته هو والمزارعون الفرنسيون فى السياسة الزراعية والعلاقات التجارية مع الاتحاد الاوروبى، وكان الرجل شديد الحماسة عندما تكلم، مما جعل ماكرون يطالبه بهدوء وأن يتحدث معه بأدب وعليه ألا ينسى أنه يخاطب الرئيس، فما كان من المواطن الفرنسى إلا أن يذكره بأنه فى الجمهورية الفرنسية، وأنه هو وغيره من جاءوا به إلى السلطة، لو وضعت المشهد بجوار ما يحدث عندنا فى العالم العربى، لأشفقت على من يعيشون ويعملون فى مناخ تحاول الادارة الحاكمة طوال الوقت ان تصدر المخاطر والشر والمؤامرة.

بعد الاعتقالات التى جرت فى السعودية قبل نحو ثلاثة أشهر، قالت تقارير مختلفة تتعلق بالاستثمار، ان وجود الفرص الاستثمارية مع عدم تطبيق القانون وحرية الناس لا معنى لها، ومن السهل التأميم والمصادرة فى مناخ يرفض الاختلاف، ويتهم الناس حتى بدون محاكمات علنية، تجيب عن سؤال «لماذا» والواضح انها غائبة عن القاوموس العربى.

(أخبرنا أستاذى يوما........عن شىء يدعى الحرية فسألت الأستاذ بلطف........أن يتكلم بالعربية ما هذا اللفظ وما تعنى........وأية شىء حرية هل هى مصطلح يونانى........عن بعض الحقب الزمنية أم أشياء نستوردها........أو مصنوعات وطنية) أحمد مطر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف