الأهرام
يوسف القعيد
26 روائيا يكتبون رواية بوليسية
كلمة رواية من عندي. لأن أصحاب العمل يسمونها لغزاً. واللغز وما يثيره من لهاث حتى يصل القارئ للنهاية شكل معروف للكتابة فى آداب العالم. وفى مقدمتها أدبنا العربى القديم. والتراث العربى السردى - على قلته وندرته - مليء بالألغاز والأحاجى والأسئلة التى لا تطرح بحثاً عن إجابة عنها. ولكن بهدف إثارة خيال القارئ وإشراكه فى العملية الإبداعية.

لن أحاول تدوين أسماء 26 روائياً يكتبون الآن الرواية البوليسية فى الغرب. حتى لا أستهلك المساحة المخصصة للمقال. ويتحول الأمر إلى بحث عمن هم؟ وماذا كتبوا؟ وقيمتهم الأدبية فى آدابهم المحلية ومدى تأثيرهم فى آداب العالم الآن؟ رغم أن المترجم يصفهم بأنهم نخبة من كُتَّاب الرواية البوليسية المشاهير.

ثمة مقدمة طويلة كتبها ديفيد بالدتشي. ولا أعرف إن كان ناقداً أدبياً مرموقاً أم باحثا أم يقوم بتدريس الأدب فى إحدى الجامعات الغربية. وليس ذلك لعيب مني. ولا ميزة لدار النشر. ولكن دار النشر الدار العربية للعلوم ناشرون، مسئولة عن هذا التقصير الذى يمارسه كثير من الناشرين الآن.

أولى مفردات الترجمة حتى تكون مفيدة وتحقق الهدف من ورائها أن يكون هناك تعريف ولو مختصرا بمن يترجم لهم من لغته إلى العربية. مهما يكن شاباً أو حديثاً أو حتى صاحب عمل واحد. ما دام هناك من يترجمه ومن ينشره ومن يقبل على قراءته لا بد أن نعرف من هو. وهو ليس خطأ ناشر الرواية فقط. ولكن معظم الناشرين الآن - ولا أقول كل الناشرين - حتى لا أرتكب خطأ التعميم. يهمل المؤلف صاحب العمل الأصلى الذى ترجمه إلى لغتنا العربية. مع أن تعريفنا بمبدع العمل لا يقل أهمية عن قراءة العمل. هل هو إهمال؟ هل هو حس تجاري؟ هل يُعد جزءاً من إيقاع مجتمع اللهاث والجرى الذى نعيشه؟ ربما.

يكتب صاحب المقدمة:

- فى القصة اللغز النموذجية يفتتن القراء بمواهب ومخيلة كاتب واحد. ولكن مع هذه القصة المليئة بالحركة يستمتع القارئ بالخبرات البارعة لستة وعشرين كاتباً بليغاً يحظون بكل تقدير. وهم يحيكون المكائد ويتعاطون مع السموم ببراعة. ويطفئون شعلة الحياة بأفضل ما يملكون من وسائل. إنه أمر نادر الحدوث فى الواقع لأن كتاب القصة اللغز يشتهرون بعزلتهم وارتيابهم. وهم أشخاص غير ودودين عندما يتعلق الأمر بأعمالهم. وهم يحبون الإلحاح فى طلب مستحقاتهم المالية عن قصصهم. فهذه القوة المطلقة تفقد التعقل. ولا سيما إذا باعوا أعمالهم لهوليوود. ووجدوا أن قوتهم تلاشت إلى ما دون الصفر. يكمل صاحب المقدمة فى وصفه أصحاب الرواية:

- لكنهم من جهة ثانية هم أشخاص مشوقون ومرحون عندما يكونون خارج عالم القصص. ويحتشد حولهم الناس فى الحفلات على غرار كل القصاصين الجيدين. وما موافقة عدد كبير منهم على استخدام مهاراتهم لكتابة فصول فى القصة التى أنتم على وشك الغوص فى أحداثها سوى دليل قاطع على القدرات المقنعة للمحاربين فى مجلة ستراند مجازين. وعلى لياقة المبدعين المجتمعين هنا. ويُعَرِّف اللغز بأنه خدعة لا بد أن تتبعها ملامة للكاتب. فبعض النقاد يزدرون هذه الخدع جهاراً. وإن قرأوها يقرأوها سراً. يختبئ الناقد وهو يقرأ النص. وإن سئل ماذا يقرأ لكذب فوراً وقال إنه كان يقرأ يوليسيس جيمس جويس أو البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست.

تبدأ أحداث الرواية عندما يقتل كريستوفر توماس. وهو قيِّم لا يعرف الشفقة على متحف ماكفول أرت منيوزيوم فى سان فرانسيسكو ويعثر على جثته المتحللة فى مقصلة حديدية بمتحف برلين. وتتحول زوجته روز مارى إلى المتهم الأول. وتبدأ محاكمتها وتدان ويتم إعدامها بعد إدانتها.وبعد عشر سنوات يتوصل جون نان. وهو من نظر القضية وحكم بالإعدام على المتهمة إلى اكتشاف أنه قد تم إعدام الشخص الخطأ لأنه فى السنوات التى تلت القضية تم اكتشاف شبكة من الخداع والخيانة تحيط بعائلة توماس يمكنها توريط أى مجموعة من الأشخاص فى الجريمة. يلجأ إلى مساعدة صديق المرأة المتوفاة يخطط معه لجمع كل من كان موجوداً ليلة وفاة كريستوفر. ويكشف النقاب عن الحقيقة. وربما كان حل القضية الفرصة الأخيرة لنان للحصول على الخلاص المستحيل. ومع هذا لا يتمكن من إتمام مهمته لأن القوى التى كانت كامنة وراء موت كريستوفر لم تتراجع. وكان هدفها الوحيد إسكات الماضى إلى الأبد.

يصف صاحب المقدمة الكُتَّاب الذين شاركوا فى كتابة الرواية الستة وعشرين بأنهم من أفضل كتاب الرواية الآن. ثم يعود ويكتب عنهم من مشاهير كتابة الرواية فى هذه الأيام. وأشعر بالتقصير عندما أنقل هذه الأحكام عن هذا العدد من الروائيين الذين يعيشون بيننا الآن دون أن نعرف عنهم أى شيء. الرواية لم يكتف أصحابها بالسرد والحكي. ولا جعل القارئ يلهث ويجرى وراء كل كلمة وكل سطر مثلما حدث معي. لكن بين الفصول وآخرها. ثمة وثائق خاصة بالجريمة والتحقيق فيها. مثل تقرير علم الحشرات الشرعى عن الحادث. والأدلة المقدمة والمطابقات المهمة وتقارير علم الأشعة ووصف حالة المتوفى ابتداء من الجمجمة والرأس وما يتعلق بالأسنان وتقرير مركز قسم شرطة برلين رقم 8343 عن الحادث وتقارير الفحص. هذه التقارير لا تعوق عملية التلقي. فهى مركزة ومختصرة. وقد جاءت من تأليف روائيين شاركوا فى كتابة النص. بعضهم سرد وحكي. ولكن البعض الآخر اختار أن يقدم صياغة لمثل هذه التقارير. الجديد فى هذه المحاولة أن الروائيين يشركون القارئ فى كتابة نصهم. أحدهم يكتب: لنقل إنها قصة. والثانى يتساءل: ماذا لو أخبرتك بالقصة الحقيقية؟ وصاحب المقدمة ينهيها بعبارة على سطر مستقل: باشروا فى القراءة. جميعهم لم يغفلوا عنصر المتعة فى القراءة. كانوا يشتركون فى الكتابة وأعينهم على المتعة التى يمكن أن توفرها القراءة للقارئ. القطن المصرى يرد فى الرواية. لأن البطل عند قتله كان يرتدى قميصاً من القطن المصري.

يبقى تساؤل: لماذا لا يحاول أحد الناشرين المصريين أو العرب الإقدام على مثل هذه التجربة فى التأليف الروائى المشترك؟!

لعل وعسى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف