الأهرام
خالد عمر بن ققه
أيُّها العرب.. «أسرار الدَّوْلة» تغيَّرت!
كل شيء آخذ في التغير، وبسرعة تفوق قدراتنا على استيعاب ما يحدث.. تلك هي سمة حياتنا الراهنة، وإذا كان التغير الحاصل والسرعة المرتبطة به، يشكلان معاً حالة خوف تصل إلى درجة «الفوبيا» من الأحداث لدى كل البشر، خاصة أولئك الذين يعيشون في زماننا هذا مع عدم قدرتهم ـ لعوامل كثيرة ـ على أن يكونوا معاصرين، فإن الموقف على مستوى الدول يبدو أكثر خطورة، حيث لم يعد الهمّ الأكبر للقادة السياسيين والعسكريين التفوق، وإنما إحداث هلع لدى القوى المنافسة، حتى لو كان ذلك على حساب الكشف عن ما كان يعرف ـ إلى وقت قريب ـ بأسرار الدولة، الأمر الذي يعني التوجه إلى نوع من المباهاة بالقوة، وقد ينتهي هذا إلى نوع من الإرهاب الدولي، وهو بلا شك جزء من المناخ العام السائد الآن، حيث الانتشار الواسع للإرهاب، من الأفراد والجماعات والتنظيمات، وحتى الدول.

نحن اليوم نسير بوعي ـ ظاهر على الأقل ـ نحو التدمير الكلي لمَدَنِيّتِنَا الراهنة، وهذا ليس من باب التهويل، ولكنه حقائق تتجسد كل يوم، وقد ظهر ذاك التدمير في البداية في عمل دؤوب على المستوى الدولي لإنهاء وجود العدو، وكانت الكارثة هي قيام قطبية أحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كنّا نحن العرب ولا نزال الخاسر الأكبر فيها، وحين عادت القطبية إلى التشكل بثنائية جديدة، ها نحن اليوم ضحيتها أيضاً، وخير مثال على ذلك ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ومع ذلك لا يزال صنّاع القرار لدينا ممن أبعدوا أو من هم في الحكم، يُصدِّرُون لنا بأسلوب تجاوزه الزمن، مسألة «أسرار الدولة» واعتبارها ملكيَّة خاصة لهم، دون إدراك للتطور الحادث في تناول تلك الأسرار لجهة إعلانها من عدمه على مستوى الدول الفاعلة.

ما يَهُمُّنا في هذا الحاضر المفزع، والمستقبل المروع، هو وجودنا العربي، والذي ـ كما ذكرت آنفا ـ هُدِّد بالقطبية الأحادية، وبالقطبية الثنائية، ولو تعددت الأقطاب غدا ـ وما ذلك ببعيد ـ ستزيد المخاطر على وجودنا البشري والثقافي والجغرافي، وقد يصل التهديد إلى إبادة جماعية، كما هي في بدايتها الآن، حيث بلغ القتل درجة العبث، على خلفية كثيرة منها تزييف الوعي، لدرجة أن القوى المعارضة المسلحة في سوريا مثلا، مقسمة إلى فريقين، أحدهما يقاتل إلى جانب الولايات المتحدة، والثاني في صف تركيا، والميدان هو عفرين، أي الأرض السورية، والقتلى من الطرفين هم الشعب السوري، وهذا كله بحجة إسقاط النظام، كما أن هذا الأخير يتحرك ضمن أجندات خارجية فرضتها القوى الداعمة لها، وخاصة روسيا وإيران.

الوقائع والمشاهد والمعطيات أكبر من أي أسرار تعتقد دولنا أنها تخفيها عن الشعوب، على خلفية أن هذه الأخيرة لم تصل إلى مستوى من الوعي يؤهلها للمحافظة علي الأسرار المصيرية، وهذا أحد أنواع الوهم لدى صنّاع القرار، لأسباب كثيرة، منها: أن احتكار المعلومات أصبح من الصعوبة بمكان، وأن فشل كثير من القيادات والأنظمة أثبت ألا جدوى من أسرار تم الاحتفاظ بها، وأن الشعوب هي التي تبقى حين تنهار الدولة، وهناك فرق بين المتجذر في المكان، وبين المتعلق بالزمان، حتى أنه بمجرد تغير هذا الأخير نجده وَلَّى الأدبار يوم الزحف، لذلك كله أصبح من الضروري إعادة النظر في مسألة «أسرار الدولة» خاصة بعد أن تغير الفهم الدولي لها، حيث يتم التركيز على زمن وطريقة أسرار الدولة، وليس الإعلان عنها، وتلك غدت اليوم هي القوة الحقيقية للدول.

هنا يمكن أن نستعين بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ـ نهاية الأسبوع الماضي ـ حين أعلن تطوير بلاده أسلحة نووية جديدة لا يمكن ردعها الأمر آثار المخاوف من سباق تسلح جديد مثلما كان يحدث في الحقبة السوفيتية، ومع أن إعلانه يعدُّ كشفاً لأسرار الدولة، إلا أنه فضل إظهار قوة بلاده، مكتفيا بالاحتفاظ بكيفية استعمال تلك القوة، وقد سارت الصين على نفس الطريق، إذ ذكرت صحيفة «تشاينا ديلي» الرسمية في الصين، الجمعة الماضي 2 مارس الحالي، قبيل إعلان ميزانية الدفاع السنوية للدولة: «أن الصين مستعدة لبناء حاملات طائرات أكبر بعدما أتقنت القدرات التقنية اللازمة لفعل ذلك» وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ، قد تعهّد في أكتوبر الماضي، بتحويل الجيش الصيني إلى قوة مقاتلة عالمية الطراز بحلول عام 2050، فضلاً عن جعل تطوير تكنولوجيا جديدة إحدى ركائز سياسته من خلال الاستثمار في مقاتلات الشبح وحاملات الطائرات والصواريخ.

من ناحية أخرى، تقوم الصين باختبارات على أول حاملة طائرات محلية الصنع تم تدشينها في العام الماضي، ومن المتوقع أن تدخل الخدمة في عام 2020، وللعلم فإن خبراء صينيين تحدثوا: عن استكمال بلادهم امتلاك الخبرة المطلوبة لصناعة حاملة طائرات متطورة؛ فيما يتعلق بالتصميم والتكنولوجيا والتقنية والتصنيع وإدارة المشروع، وأنها مستعدة الآن لبناء نماذج أكبر، وحسب المراقبين لم يجر الإعلان سوى عن القليل من المعلومات بشأن برنامج الصين لحاملات الطائرات الذي يعد من أسرار الدولة، وبجانب هذا نجد كوريا الشمالية تخبر العالم كل يوم بمُسْتجدات ملفَّها النَّووي.. فما موقفنا نحن العرب من قضيّة أسرار الدولة؟.. وهل مازلنا نملك ـ مُجتمعين أو مُتفرّقين ــ تلك الأسرار؟!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف