الأهرام
أسامة سرايا
حول موقعتى سيناء والعلمين
ما أصعب الحقيقة فى زمن الكذب والخيال اللذين تصنعهما المؤامرات عبر البحث عن السلطة والحقيقة هى أننا تحررنا، ومع بداية هذه العشرية من الألفية الجديدة، وفى هذا العصر بكل مكوناته المتشابكة. ولأننا أمة حية حقيقية، سرعان ما تخلصنا من المؤامرة بقوة، ونفضنا غبارها القاتل، وذهبنا نحو التغيير بأسلوب يليق بنا، فنحن وحدنا الذين يعرفون حقيقة هذا الوطن.

رفضنا الاستسلام للوعى الزائف، وهذا لم يكن سهلاً، ولكن العجيب هو سرعة عودة الوعى والإمساك بلحظة التغيير، والسير عليها، وتصحيح الأخطاء، والبناء على الأعمال القائمة، والتطور معها. وهذا ما يجعلني أثق بأن ما حدث فى زمن الفوضى والاضطراب لن يعود مرة أخرى، وأنه مع مرور الزمن سيصبح نسياً منسياً، ولأن المؤامرات سمة كل العصور، فهى تستمر وتنجح فقط فى الشعوب والأوطان التى تستسلم لها، وتغيب عنها إدارة المواجهة. وللأسف حدث هذا فى محيطنا وعالمنا العربى، ولكننا فى مصر امتلكنا، بعد الوعى، نظاماً، حرص على الحركة والتطور والنمو، بإشراك الناس معه، وتجذير ثقافة المشاركة بطلب التبرع من الجميع، الأغنياء والبسطاء، لأنه يدرك أن الشعوب تمارس دورها بالوعى والفهم، وليس بالسلطة أو الحشد.

لأن الرئيس الذى طلب التبرع من الكل أدرك بعقله وضميره أن هذا هو ما يحرس البناء وينميه مع الزمن، ويجعله مؤسسيا لا فردياً، فهو نفسه الذى كان، فى كل خطوة يخطوها، يؤكد وحدة الشعب، لأنه لا يمكن هزيمة الشعوب عندما تتحد فى حركتها لمواجهة الإرهاب والتطرف، ثم بناء مصر الحديثة. وتجذير ثقافة الدولة لدى المصريين فكرة جديرة بأن تستوعب كل هذه المقدمة. فأنا أرى ما يحدث فى سيناء، وفى مدينة العلمين الجديدة معجزة حقيقية، وكيف اقتحمنا الصحراء، وأنشأنا المدن على الحدود، وفى نفس الوقت تقوم قواتنا المسلحة، (جيشنا وشرطتنا)، بتطهير جسم الوطن كله مما علق به من فيروسات الإرهاب والتطرف، وقد تصور عقله المريض أنه يمكن أن يكرر ما حدث فى أفغانستان وباكستان والصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن فى مصر، بداية من سيناء، أغلى أرض فى الوجود، أراضينا المقدسة، فذهب ليتحصن فى جبال سيناء، متصورا أنه يمكن أن يستمر هناك، ونسى ماذا تعنى سيناء للمصريين. ولن أجد أبلغ مما قاله جمال حمدان، صاحب شخصية مصر، بأن سيناء بصمات مصر، حضارة وثقافة، فيما كان ماء النيل هو الذى يروى الوادى، كان الدم المصرى هو الذى يروى رمال سيناء، وأقول معه: ما فعلته قواتنا المسلحة، وقررته القيادة المصرية برصد 275 مليار جنيه لتعمير سيناء شمالا وجنوباً ووسطاً، يكشف أن الأحضان المصرية، شعباً وجيشاً، هى التى تحتضن شبه الجزيرة، وليس البحر بذراعيه اللتين تحتضنان سيناء. وإذا كانت القيادة قد طلبت من المصريين التبرع، مؤسسات وأفرادا، لتعمير سيناء، فإننى أعتقد أن مصر، بما حباها الله من قدرة على العمل والتكيف مع المتغيرات، ستكون قادرة على توفير الأموال، ولكن الأهم هو التعمير البشرى، فمع الانتشار العمرانى، ستكون سيناء فى حاجة إلى أطراف حدودها، بما فيها معركتنا القادمة، وهى لم شمل السكان، فالتعمير يعنى التمصير، والانتصار الكامل، وبقدر ما كانت منطقتا القناة وسيناء منذ 1956 و1967 منطقتى تهجير ولاجئين ومهاجرين، إما بالطرد أو الهرب من واقع الاحتلال، بقدر ما ستصبحان فى العصر الراهن منطقتى جذب واستقطاب للسكان والعلماء والمهندسين والأساتذة.

إن قوة العقل المصرى التى هاجرت إلى الخارج، سواء إلى أوروبا أو أمريكا أو بلدان دول الخليج، سوف تجد لنفسها مكانا بارزا ومؤثراً فى سيناء، وفى شبكة المدن الجديدة التى نبنيها فى صحرائنا. ولكننى أرى أن الحرب الاقتصادية لن تتوقف، فمازالت جماعات الإرهاب تغذيها ضد مصر، وإن كانوا ينسحبون الآن، وهو ما يجب أن يدفعنا إلى اليقظة بالتبرع والمشاركة، وهذا ما سيظهر مع نهاية هذا الشهر، والمصريون يتجهون إلى صناديق الانتخابات ليدافعوا عما تحقق لبلادهم من تطور ونمو، أملاً فى مستقبل مشرق.

مصر جهزت نفسها من الداخل بالكامل، تجاوزت الأزمة الاقتصادية، واستأصلت مراكز التطرف والإرهاب، وفككت التنظيمات الدينية، والتيارات المتأسلمة، وبدأت ورشة تعمير وتنمية بشبكة متكاملة من المشروعات القومية، وتقوم الآن بتعمير صحاريها، وفتحت البيت الآسيوي فى جغرافيتها بشبكة أنفاق ضخمة، واستثمارات كبيرة تفوق قدرات البلاد الاقتصادية، ولكنها رفعت كل أعلامها وقدراتها على أرض الفيروز. وعلى كل المصريين الاستجابة لهذا التحدى الكبير، فالحكومة وحدها لن تستطيع أن تحقق هذا الهدف بدون تعاون كل القطاعات الأخرى، وأهمها القطاع الخاص المصرى، وكل الدراسات تشير إلى أن صحراء مصر الشاسعة، كلها غنية بالخيرات، وأن الدولة بكل أجهزتها مهدت الأرض للمصريين لكى نجعل من سيناء جنه الله فى أرضه، وهى فعلا، بكل تضاريسها، وهضابها وأوديتها، تستطيع أن تكون أرض الثروات لأبنائنا، وأرض الفرص للأجيال المقبلة.

إن سيناء ليست صندوقا من الرمال، وإنما هى صندوق من الذهب حقيقة لا مجازا، وهى كنز استراتيجى، فالتاريخ يقول عنها إنها منجم الذهب لمصر، وكل المعادن النفيسة، وسواحلها 700 كم من 2400 كم، هى مجموع سواحل مصر، وذلك ما يعنى أهل السياحة. أما علماء الزراعة والفلاحون فسيجدون أن سيناء مؤهلة لمزيد من المشروعات الزراعية والصناعية والسياحية، بعد أن خطت الدولة نحوها خطوات مهمة، ولم يبق أمامنا، نحن المصريين، إلا أن نخطو نحو سيناء خطوات أكبر للعمل، والتوطين، والحياة فى ربوعها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف