شهدت مدينة الأقصر الجميلة الأسبوع الماضى ملامح الغد المصرى المفعم بالأمل، بانعقاد مؤتمر «مصر تستطيع بأبناء النيل»، تحت رعاية الرئيس السيسي، والذى دعت اليه السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج. واعتقد أن من أهم الانطباعات الإيجابية التى خرج بها من شارك فى المؤتمر هو اليقين بأن الوزيرة التى تشى كل ذراتها بحب الوطن، قد نجحت نجاحا باهرا فى إقامة جسر متين بين أبناء النيل فى الداخل وإخوتهم فى الخارج لإيمانها بأن بهم مصر تستطيع..جابت بنت النيل الكرة الأرضية، مشارقها ومغاربها، بحثا عن أبناء النيل العباقرة الذين حققوا مكانات علمية رفيعة المستوى فى مختلف دول العالم، وعندما التقت بهم، ترسخ يقينها بأن مصر وطن يعيش فينا وليس فقط وطنا نعيش فيه.. لبوا جميعا نداء أم الدنيا وكأنهم كانوا فى انتظار مجرد إشارة، فجاءوا الى الأقصر بعلمهم وخبرتهم وكل ما لديهم من أفكار وقدرات ابتكارية لوضعها فى خدمة الوطن..
كانت أكثر القضايا إلحاحا هى مشكلة المياه وحتمية مواجهتها بالعلم وتغيير العادات والسلوكيات وحتى المفاهيم السائدة، حيث إن التحديات كبيرة وقائمة.. ونقطة البدء فيها، الجديرة بالمواجهة، شبح شح المياه، فكما قال الله عز وجل «وجعلنا من الماء كل شيء حي» ركز علماء مصر الأجلاء على أهمية إدراك خطورة نقص المياه والتى يرجع بعضها الى عوامل تغير المناخ فى العالم، ومن ثم يتبين أن الحل يكمن فى ترشيد استهلاك المياه بمعنى أن زمن الإهدار قد ولى وإلا كان المصير مفزعا لا قدر الله..أكد العلماء ضرورة إعادة النظر فى ثقافة التواكل السائدة والتى نتصرف بمقتضاها بمبدأ «اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب»، وهى ذات الثقافة الوافدة والتى كانت أساس الانفجار السكانى الذى بات قنبلة موقوتة كما نبه العلماء وحذروا منه، وشددوا على وجوب التوعية بأن مياه الشرب التى تروى مائة مليون نفس، يستحيل عليها بمحدوديتها الواضحة أن تكفى مائتى مليون انسان..
ويتصل بواقعنا أيضا ،محدودية المياه الجوفية حيث شرح العلماء فى مؤتمر الأقصر أن خزانات المياه الجوفية فى مصر غير متجددة ..كما شدد أبناء النيل على ضرورة تغيير الأنماط التقليدية ،مثل الرى بالغمر والتوجه نحو استخدام التقنيات الحديثة ومنها الرى بالتنقيط وكذلك الخروج الى آفاق زراعة محاصيل لا تحتاج الى كميات كبيرة من المياه.. وفى الوقت نفسه تحدث علماء عن امكانية تعظيم الناتج من المحاصيل الزراعية الى عدة أضعاف ما توفره الأراضى الزراعية الآن.. وقد شعرنا بالفخر وعلماؤنا يتحدثون بثقة عن تقنيات تحلية مياه البحر وعن معالجة مياه الصرف الصحي.. ومن أكثر ما لفت الاهتمام كان مشاركة عدد من الوزراء وتفاعلهم مع نوابغ ابناء مصر والجدية الملموسة والواضحة فى الاستفادة من خبراتهم الدولية لحل مشكلات مصر الحالية وتفادى اى مشكلات مستقبلية بتضافر الجهود بين مؤسسات الدولة وبين ابناء النيل الذين بهروا الحضور بحماستهم وتفانيهم فى خدمة الوطن وتسخير كل ما بوسعهم من علم وجهد لتحقيق التنمية المستدامة، للنهوض بمصر كى تستعيد مكانتها، والتى يؤكدها الرئيس السيسى بقوة ..وتطرق المؤتمر الى ثروات مصر «التى ستعود على ابنائها بالرفاهية ورغد العيش ومنها اكشافات الغاز وكذلك الثروات التى تنادى علماءنا لاستثمارها وفقا لما أكده العالم الكبير الراحل دكتور رشدى سعيد» ان مستقبل مصر فى صحرائها الغربية، ولكن ذلك يستلزم أولا وقبل أى شيء آخر تأمين المياه، أساس الحياة».. والأمل ان تطبق كل أجهزة الدولة ومؤسساتها توصيات المؤتمر بنشر ثقافة الوعى بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتنظيم النسل والحفاظ على الجسر الذى أقامته الوزيرة نبيلة مكرم مع علمائنا من ابناء النيل وإقامة المزيد من الجسور مع علماء مصريين فى الداخل والخارج ،لأن بذلك مصر تستطيع بلا ادنى شك.