د. محمود خليل
بكرة ينسوا».. مقابل التأثير النائم
عندما اتخذ «ترامب» قراره الأحمق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، خرجت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة «نيكى هالى» تقول: «قال البعض إن السماء سوف تنطبق على الأرض إذا اتخذت أمريكا هذا القرار.. ها هى السماء فى مكانها ولم تنطبق على الأرض بعد». قصر النظر سمة من سمات التفكير الأحمق. يتخذ هذا أو ذاك القرار ثم تتركز حسبته فى رد الفعل الفورى عليه، ولأن الشعوب لا تتحرك بسهولة، ولها حساباتها الخاصة التى تسبق حراكها، فإنها لا تبدى رد فعل فورياً على الكثير من الكوارث التى تحيق بها، لكن ذلك لا يعنى بحال أنها لم تتأثر، ولن يكون لهذا التأثير دور فى تحريكها فيما بعد.
المتأمل لأداء الكثير من قيادات العالم يلاحظ أن بعضهم يحذو حذو ترامب فى أسلوب صناعة القرار، وفى تقييمه الساذج لرد فعل الشعوب على ما قرره. إنهم يعتمدون أسلوباً يطلق عليه «أسلوب الصدمة» بأن تتخذ قراراً مدوياً يتجاوز كل الخطوط الحمراء التى تؤمن بها الشعوب، ويتناقض تناقضاً جذرياً مع القيم والأفكار التى تربت عليها أجيال متعاقبة، وتفرح عندما لا تبدى الشعوب رد فعل عليه. مثل هذه القرارات تكون أشبه بالمطرقة التى تدق رأس المواطن فتحدث له ارتجاجاً فى المخ يشله عن التفكير، أو إبداء رد فعل فورى. هنالك تفرح القيادة وتتباهى بقدرتها على اتخاذ القرارات المفاجئة التى لم تجرؤ أى قيادة سابقة على اتخاذها خوفاً من الشعوب. ها هى تتخذ القرار الصعب دون أن تبدى الشعوب حراكاً، ودون أن تنطبق السماء على الأرض كما رددت سفيرة ترامب. الأرض لم تزل فى موضعها تلف كما كانت تلف وتدور مثلما دأبت على الدوران، والسماء على وضعها ثابتة بلا عمد.
يقفز أصحاب التفكير «الترامبى» على واحدة من أهم نظريات العلم، نظرية «التأثير النائم». فربما أحجم الفرد عن إبداء رد فعل فورى على قرار أو موقف أو سلوك أزعجه، فيؤدى ذلك إلى إغراء من أزعجه بالمزيد، ومع تكرار الأفعال يتراكم فى لا وعى الإنسان تأثير يدفع به إلى الانفجار فى لحظة معينة لإزعاج أو أذى قد يكون أقل أو أصغر بكثير من أذى سابق لحق به وصبر عليه. إنه التأثير النائم الذى «يكنه» الفرد فى نفسه حتى تأتى لحظة يبدى فيها رد فعل مدوياً ويحاسب فيها على كل ما ارتكب ضده من حماقات. إنها اللحظة التى تنطبق فيها السماء على الأرض، اللحظة التى سخرت منها «سفيرة ترامب»، حين رأت قرار «ترامب» يمر مرور الكرام.
عليك حين ترى أن أمراً جللاً قد حدث، أو إجراءً غير طبيعى قد اتخذ، أو تدبيراً يتجاوز الخطوط الحمراء للشعوب قد تم الشروع فيه، عليك ألا تحتار فى أمر الشعوب «المخبوطة على دماغها» بما حدث، واعلم أن كل ما يلاقيه الإنسان فى حياته يترك أثراً فى نفسه، ويظل التأثير نائماً حتى حين. وفى اللحظة التى يستيقظ فيها «النائم» يصبح الحساب على القديم والجديد.. الشعوب لا تنسى!