فيتو
مختار محمود
أنت العزيز الكريم!!
في قديمِ الأزلِ.. ظنَّ "أبليسُ" أنَّهُ أعظمُ قدرًا من "آدمَ": "أنا خيرٌ منه، خلقتنى منْ نارٍ وخلقتَهُ من طينٍ"، فصارَ "شيطانًا رجيمًا". وفى زمنِ "إبراهيمَ"، عليهِ السلامُ، توهَّمَ "النمرودُ" نفسَهُ "إلهًا": "فُبهتَ الذي كفرَ"، وجاءتْ نهايتُهُ مواكبةً لمعصيتِهِ. وفى زمنِ "موسى"، عليهِ السلامُ، لمْ ينسبْ "قارونُ" الفضلَ إلى الله، وقالَ عنْ مالِهِ العظيمِ: "إنما أوتيتُهُ على علمٍ عندى"، فجاءتْ النهايةُ المحتومةُ: "فخسفنا بهِ وبدارهِ الأرضَ".

وفى زمنِ "موسى" أيضًا.. قالَ "فرعونُ" عن نفسِهِ: "أنا ربُكم الأعلى"، وقالَ لوزيرِه: " فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ"، ولكنَّ مصيرَه كانَ الغرقَ ذليلًا بين قومِه، ولما ادَّعى الإيمانَ، جاءَهُ الردُّ مُباغتًا: "آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ". وفى زمنِ النبىِّ الكريمِ.. قال "أبو جهلٍ" لـ "محمدٍ"، صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "واللهِ.. ما تستطيعُ أنتَ ولا ربِّك أنْ تفعلا بي شيئًا، إنِّي لمنْ أعزُّ هذا الوادي وأكرمِه على قومِه"، فقتلًهُ اللهُ "يومَ بدرٍ"، وأنزلَ فيهِ قرآنًا، على سبيلِ التوبيخِ والاستخفافِ والاستهزاءِ: "ذُقْ إنكَ أنتُ العزيزُ الكريمُ"، أيِّ: "الذليلِ المُهانِ"..

والأمثلةُ على ذلكَ أكثرُ منْ أنْ تعدَّ أوْ تُحصى. ولكلِّ زمانٍ: "أبليسُهُ"، و"نمرودُهُ"، و"قارونُه" و"فرعونُهُ" و"جهولُهُ". وما كانَ هذا ليحدثَ، إلا بسببِ "تصوراتٍ خاطئةٍ" ينسجُها الإنسانُ "أىُّ إنسانٍ" حولَ نفسِهِ "الأمَّارةِ بالسوءِ". "التصوراتُ الخاطئةُ عن نفسِكَ"، هي التي تجعلُكَ تتوهَّمُ أنكَ "على صوابٍ"، وغيرَكَ على خطأٍ"، وتصنعُ من نفسِك "عَلمًَا"، ومن غيرك "نكرة"، ومن نفسِك "عالِمًا"، ومنْ غيرِك "جهولًا"، ومنْ نفسِك "عظيمًا"، ومنْ غيرِك "وضيعًا"، ومنْ نفسِك "عزيزًا"، ومن غيرِكَ "حقيرًا"، ومنْ نفسِكَ "رائعًا"، ومنْ غيركَ "تافهًا".

"التصوراتُ الخاطئة عن نفسِك" هي التي تدفعُك إلى أنَّ تُصعِّرَ خدَّكَ للناسِ وتزدريهم، وتتعالى عليهم وتتطاولُ، وتمشى مُختالًا مَرحًا، رغمَ "إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا"، فليراجعُ كلٌّ منا نفسَهُ، قبلَ أنْ تسخرَ منه ملائكةُ الحسابِ بقولها: "ذُقْ إنكَ أنتُ العزيزُ الكريمُ".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف