المصريون
جمال سلطان
الاعترافات الخطيرة لوزير النقل أمام البرلمان
الكلام الذي قاله وزير النقل الدكتور هشام عرفات عن مرفق السكة الحديد أمس أمام مجلس النواب بالغ الخطورة ، وكان واضحا أنه مفزع للنواب أنفسهم ، لأن الحقائق التي كشف عنها تعني ببساطة أننا أمام كارثة متجددة ومفتوحة على المفاجآت وأن لا شيء يمكنه أن يمنع تلك الكوارث ، لأن حال مرفق السكة الحديد مهترئ ، وتقريبا لم يدخل عليه أي تطوير حقيقي منذ أكثر من سبعين عاما ، وحديث الوزير الذي بدأه بتقديم العزاء للنواب في المواطنين ضحايا حادث البحيرة الأخير قائلا : (أعزي النواب في فقداء الوطن، فهؤلاء المواطنون ليس لهم أي ذنب سوى أنهم قد ركبوا قطار تعرض لمشكلة كبرى خلال سيره) كان كابوسيا بالفعل .
فهذا العزاء تحول ـ خلال كلام الوزير ـ إلى صوان عزاء مفتوح على المقبل من الكوارث ، لأنه ببساطة أخبرهم أن المرفق كله مترهل وغير آمن ، وأنه لم يتطور منذ 60 عاما ، والحقيقة أنه أبعد من ذلك حسب كلامه نفسه ، وقال (أن المشكلة الكبيرة للسكة الحديد أنه لم يتم بناء خطوط جديدة على مدار 60 سنة لتستوعب الزيادة السكانية فأصبح العرض لا يتناسب مع الطلب ، كما أن لدينا حوالى 900 عربة مطورة وهي ليست مطورة ولا حاجة كل اللى بيحصل بيغيروا الحديد والبلاط بتاع العربة لأن هذه هي الإمكانيات ، وهناك مشكلة الصيانة، فلدينا جرارات منذ عام 1970 تعمل حتى الآن على الخطوط الطوالي، رغم أن الجرار في كل العالم يعمل 12 سنة ويتم عمل صيانة كاملة له ويعود للعمل 12 سنة أخرى ثم يتوقف) .
هذا الكلام بالغ الخطورة ، لأنه يعني ببساطة أن الحكومات المصرية المتعاقبة كانت تضلل الشعب وتكذب عليه وتخدعه وتوهمه بأنها تجري صيانة للسكة الحديد ، في حين أن التغيير كان شكليا مثل تغيير بلاط العربات أو الصاج ، بينما العربات نفسها ميكانيكيا متهالكة وخطيرة ، واسوأ من ذلك أنه يكشف عن أن هناك جرارات غير صالحة للعمل علميا وفنيا بالمعايير الدولية ، وما زالت تعمل طوال أربعة وعشرين عاما وهي غير صالحة بما يمثل خطورة بديهية على الركاب .
أغرب من ذلك أن يقول الوزير هشام عرفات أن هذه الجرارات الفاسدة والغير صالحة للاستعمال تمثل 98% من قوة الجرارات الموجودة في الخدمة حاليا ، ويضيف : (يجب أن تتوقف هذه الجرارات.. المفروض أن تخرج حيث انتهى عمرها الافتراضي) ، وأنا لا أعرف لمن يوجه الوزير المسئول هذا النداء ، يوجهه لي مثلا أم للركاب ، إذا كان هو المسئول الأول عن المرفق .
ولأن الكوارث لا تأتي فرادى ، فقد كشف الوزير مصيبة أخرى ، حسب وصفه ، قائلا : (لدينا مصيبة ومشكلة كبيرة أخرى في الورش التي لم يتم تطويرها منذ عام 1965، والسكة الحديد تسير بمجهود ناس نسلخهم كل يوم ونهاجمهم ومش عارفين شغلهم ولا دربناهم ولا وفرنا لهم ورش نظيفة ولا جرارات أو عربات، وكان هناك خطة كاملة لتطوير السكة الحديد سنة 1965، وتوقفت نتيجة حرب اليمن حتى 1977) ، تخيل معي ، لا ورش مناسبة ولا تدريب صحيح ، فضلا عن أن خطة تطوير السكة الحديد متوفقة من أيام حرب اليمن ، العالم ذهب وجاء ، والدنيا راحت وأتت ، والحكومة تحاول إفهامنا أننا ندفع ضريبة المشاركة في حرب اليمن في وسط الستينيات أيام عبد الناصر ، نحن أمام مسخرة حقيقية .
مكاشفة الوزير أمام البرلمان ، فرغت كل ما في أحشائه من مكبوت الحقائق المروعة ، وكأن كل ما سبق ليس كافيا لتصور الكابوس الذي نعيش فيه ، فأضاف قائلا : (المشكلة ليست فقط في الجرارات والعربات، ولكن المشكلة الأكبر في الإشارات التي تمثل البنية الأساسية هي والسكة نفسها، والمشكلة الكبيرة في الإشارات أن 85% منها مازالت تعمل ميكانيكيا وتعتمد على العنصر البشري والـ15% المتبقية بالكهرباء التي تطورت في الفترة من 1984 إلى 1990، وكل الحوادث لو تم حصرها سنجد أن 98% منها على مدار 30 سنة، سببها الإشارات الكهربائية التي تم تطويرها والسبب أننا مشينا على نظام كهربائى كان يجب تطويره إلى إلكتروني لأن الكهربائي مرحلي) .
الوزير كان أمينا في عرض الصورة المخيفة ، لكنه لم يستطع الإجابة على أسئلة من نوع : لماذا توكل عملية استيراد الجرارات إلى شركة بعينها ، وما هي نتائج التحقيق في منحة شراء 81 جرار ثبت أنها غير مطابقة للمواصفات ، فالمسألة ليست فقط قلة ذات اليد ، وإنما شبهات الفساد وإهدار المال العام .
النائب محمد السويدي، رئيس ائتلاف دعم مصر، وليس ائتلاف دعم المعارضة ، لم يملك إخفاء فزعه مما سمعه من الوزير وعلق قائلا : (إن كلام وزير النقل عن وجود خطوط سكك حديدية خطرة، اضطرت الهيئة لاستخدامها رغم خطورتها، وأنه لا يتحمل مسؤوليتها كلام في منتهى الخطورة) ، أما كبير المجلس الدكتور علي عبد العال فقد اكتفى بالدفاع عن الوزير لكنه بشرنا بقوله : (الحادث الذي وقع في البحيرة لن يكون الأخير) ؟!!!.
في رقبة من الدماء التي يبشروننا بأنها ستسيل من جديد على قضبان السكة الحديد المهترئة ؟، في رقبة من الأرواح البريئة التي ستزهق والتي وصفها الوزير نفسه بأنها لا ذنب لها إلا أنها آمنت لنا واستخدمت مرفقا غير آمن وغير مطابق للمواصفات ؟، وهل إنقاذ حياة ملايين المصريين ممن يستخدمون السكة الحديد ، حوالي 400 مليون راكب سنويا حسب تقديرات الوزير ، أولى أم إنفاق المال على مشروعات أخرى ضخمة لا تمثل أي أولوية ، وتعتبر ترفية وتكميلية بأي معيار اقتصادي أو تنموي ؟ ، هذا هو السؤال المتكرر والذي يصعب أن تجد عليه إجابة في بر مصر .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف